نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 401
والمعنى : لا يأخذ بعضكم مال بعض ، ويستولى عليه بغير حق ، متذرعا بالأسباب الباطلة ، والحيل الزائفة ، وما إلى ذلك من وجوه التعدي والظلم . وفي قوله - تعالى - : * ( أَمْوالَكُمْ ) * - مع أن أكل المال يتناول مال الإنسان ومال غيره - في هذا القول إشعار بوحدة الأمة وتكافلها ، وتنبيه إلى أن احترام مال غيرك وحفظه هو عين الاحترام والحفظ لما لك أنت ، ففي هذه الإضافة البليغة تعليل للنهى ، وبيان لحكمة الحكم ، إذ استحلال الإنسان لمال غيره يجرئ هذا الغير على استحلال مال ذلك الإنسان المتعدى ، وإذا فشا هذا السلوك في أمة من الأمم أدى بها إلى الضعف والتعادي والتباغض . فما أحكم هذا التعبير ، وما أجمل هذا التصوير . وقوله : * ( وتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) * بيان لصورة أخرى قبيحة من صور أكل أموال الناس بالباطل وقوله : * ( وتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ ) * معطوف على * ( لا تَأْكُلُوا ) * . والإدلاء في الأصل : إرسال الدلو في البئر للاستسقاء . ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء ومنه أدلى فلان بحجته ، أى : أرسلها ليصل إلى مراده . والمراد بالإدلاء هنا : الدفع والإلقاء بالأموال إلى الغير من أجل الوصول إلى أمر معين . والحكام : جمع حاكم ، وهو الذي يتصدى للفصل بين الناس في خصوماتهم وقضاياهم . والفريق : القطعة المعزولة من جملة الشيء ، ومنه قيل للقطعة من الغنم تشذ عن معظمها فريق . والإثم : الفعل الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب . وجمعه آثام . والمعنى : لا يأخذ بعضكم أموال بعض - أيها المسلمون - ولا يستولى عليها بغير حق ، ولا تدلوا بها إلى الحكام ، أى ولا تلقوا أمرها والتحاكم فيها إلى القضاة لا من أجل الوصول إلى الحق ، وإنما من أجل أن تأخذوا عن طريق التحاكم قطعة من أموال غيركم متلبسين بالإثم الذي يؤدى إلى عقابكم ، حال كونكم تعلمون أنكم على باطل ، ولا شك أن إتيان الباطل مع العلم بأنه باطل أدعى إلى التوبيخ من إتيانه على جهالة به . فعلى هذا الوجه يكون المراد بالإدلاء بالأموال إلى الحكام طرحها أمامهم ليقضوا فيها ، وليتوسل بعض الخصوم عن طريق هذا القضاء إلى أكل الأموال بالباطل حين عجزوا عن أكلها بالمغالبة . وهناك وجه آخر تحتمله الآية احتمالا قريبا ، وبه قال كثير من العلماء وهو أن المراد بالإدلاء
401
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 401