نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 366
ومحاولة للتغلب على المصاعب ، ومع الاحتفاظ برباطة الجأش والثقة بحسن العاقبة . وقد خصت الآية ثلاث حالات بالصبر لأن هذه الحالات هي أبرز الأشياء التي يظهر فيها هلع الهالعين وجزع الجازعين ، كما يتميز فيها أصحاب النفوس القوية المطمئنة من غيرهم . وجاءت كلمة « حين » في قوله : * ( وحِينَ الْبَأْسِ ) * مشيرة إلى أن مزية الصبر في القتال إنما تظهر حين يلتقى الجمعان ، وتدور رحى الحرب ، لأن بعض الناس قد يكون قويا في بدنه ، وقد يحشر نفسه في زمرة الأبطال المقاتلين ، ولكنه عند ما يرى الأعناق تتساقط من حوله تخور قواه ، ويلوذ بالقرار ، أو يستسلم للعدو . وفي هذه الحالة تسلب عنه صفة الصابرين حين البأس . وتحق عليه صفة الضعفاء الجبناء . وقد جاءت أنواع الصبر في الآية على وجه الترقي من الشديد إلى الأشد ، وذلك لأن الصبر على المرض أصعب من الصبر على الفقر ، والصبر حين البأس أصعب من الصبر على المرض . ثم ختمت الآية حديثها عن هؤلاء الجامعين لهذه الخصال بقوله تعالى : * ( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) * . أولئك اسم إشارة للجمع ، وقد أشير به إلى من تقدم ذكرهم من الجامعين لخصال البر . والصدق توصف به الأقوال المطابقة للواقع ، وتوصف به الأعمال الواقعة على الوجه الذي يرضى اللَّه - تعالى - . والمتقون من الاتقاء وهو الحذر ، ويطلق المتقى في كلام الشارع على الإنسان الذي صان نفسه عن كل ما يغضب اللَّه ، وامتثل لأوامره ونواهيه . أى : أولئك الذين تقدم ذكرهم من المحرزين لخصال البر هم الصادقون في إيمانهم وفي كل أحوالهم ، وأولئك هم المتقون لعذاب اللَّه - تعالى - بسبب امتثالهم لأوامره ، واجتنابهم لما نهى عنه . واسم الإشارة * ( أُولئِكَ ) * جيء به لإحضارهم في أذهان المخاطبين وهم متصفون بتلك المناقب الجليلة . وفي تكرير الإشارة زيادة تنويه بشأنهم وفضلهم . وجاء الإخبار عنهم بأنهم الصادقون المتقون ، لتشيرهم بأنهم قد بلغوا بإحرازهم لتلك الخصال السابقة الغاية التي يطمح إليها أرباب البصائر المتنيرة ، والنفوس المتقيمة ، والقلوب السليمة ، وهي مقام الصدق والتقوى الذي يرتفع بصاحبه إلى السعادة في الدنيا ، والنعيم الدائم في الآخرة . هذا وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على خمسة عشر نوعا من أنواع البر الذي يهدى إلى الحياة
366
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 366