نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 361
قوله - تعالى - : * ( أَنْ تُوَلُّوا ) * أى : ليس توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر كله . وقرأ الباقون * ( لَيْسَ الْبِرَّ ) * برفع البر على أنه اسم ليس ، وخبرها قوله - تعالى - : * ( أَنْ تُوَلُّوا ) * أى ليس البر كله توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب . قال الطبرسي : وكلا المذهبين حسن ، لأن كل واحد من اسم ليس وخبرها معرفة ، فإذا اجتمعا في التعريف تكافآ في كون أحدهما اسما والآخر خبرا كما تتكافأ النكرتان « 1 » . وقوله - تعالى - : * ( ولكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتابِ والنَّبِيِّينَ ) * إلخ بيان لما هو البر الذي يجب أن تتجه إليه الأفكار ، وتستجيب له النفوس . و * ( لكِنَّ ) * حرف استدراك ، البر : اسمها . وقوله * ( مَنْ آمَنَ ) * وقع في اللفظ موقع الخبر عن قوله * ( الْبِرَّ ) * والخبر في المعنى لفظ مقدر مضاف إلى من آمن ، يفهم من سياق الجملة ، والمعنى مع ملاحظة المقدر : ولكن البر بر من آمن باللَّه . وهذا اللون من الإيجاز الذي حذف فيه المضاف معهود في كلام البلغاء إذ تجدهم يقولون السخاء حاتم ، والشعر زهير . أى : السخاء سخاء حاتم ، والشعر شعر زهير . وقيل : إن البر هنا بمعنى البار فجعل المصدر في موضع اسم الفاعل ، كما يقال : ماء غور أى : غائر ، ورجل صوم أى : صائم . وقيل : إن المحذوف هو لفظ مضاف إلى البر . أى : ولكن ذا البر من آمن باللَّه . وقد ابتدأت الآية حديثها عن خصال البر بالإيمان باللَّه ، لأنه أساس كل بر . وأصل كل خير ، والإيمان باللَّه : هو التصديق بأنه هو الواحد الفرد الصمد ، الذي لا تعنو الوجوه إلا له ، ولا تتجه القلوب بالعبادة إلا إليه ، ومتى رسخ هذا الإيمان في النفوس ارتفع بها إلى مكانة التكريم التي أرادها اللَّه - تعالى - لبنى آدم وصانها عن الذلة والاستكانة وأعطاها نبراس الهداية والسداد في كل نواحي الحياة . ثم ذكرت الإيمان باليوم الآخر ، وهو التصديق بالبعث وما يقع بعده من حساب وثواب وعقاب على الوجه الذي وصفته نصوص الشريعة بأجلى بيان . والإيمان باليوم الآخر من ثماره أنه يغرس في النفوس محبة الخير ، والحرص على إسداء المعروف وينفرها من اقتراف الشرور وارتكاب الآثام . ولقد تحدث القرآن عن الإيمان باللَّه واليوم الآخر في عشرات الآيات ، وأقام الأدلة الساطعة ، والبراهين القاطعة على وحدانية اللَّه وعلى أنه هو صاحب الكمال المطلق ، كما أقام
( 1 ) تفسير الطبرسي ج 2 ص 92 طبعة مكتبة الحياة ببيروت سنة 1980 .
361
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 361