نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 356
المفضى بهم إلى النار ، بحالة من يأكل النار نفسها . ووجه الشبه بين الحالتين : أنه يترتب على أكل ذلك المال الحرام من تقطيع الأمعاء وشدة الألم ، ما يترب على أكل النار ذاتها ، إلا أن العذاب الحاصل من أكل النار يقع عند ما تمتلئ منها بطونهم ، والعذاب الحاصل من أكل المال الحرام يقع عند لقاء جزائه وهو الإحراق بالنار . وجيء باسم الإشارة في أول هذه الجملة لتمييز أولئك الكاتمين أكمل تمييز حتى لا يخفى أمرهم على أحد ، وللتنبيه على أن ما ذكر بعد اسم الإشارة من عقوبات سببه ما فعلوه قبل ذلك من سيئات . وخص - سبحانه - بالذكر الأكل في بطونهم من بين وجوه انتفاعهم بما يأخذونه من مال حرام ، للإشعار بسقوط همتهم ودناءة نفوسهم حتى إنهم ليخفون ما أمر اللَّه بإظهاره من حقائق وهدايات ، نظير ملء بطونهم . وقوله : * ( ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ الْقِيامَةِ ) * أى : لا يكلمهم كلاما تطمئن به نفوسهم ، وتنشرح له صدورهم وإنما يكلمهم بما يخزيهم ويفجعهم بسبب سوء أعمالهم كقوله - لهم : اخْسَؤُا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ . أو أن نفى تكليمه لهم كتابة عن غضبه عليهم ، لأن من عادة الملوك أنهم عند الغضب يعرضون عن المغضوب عليه ولا يكلمونه ، كما أنهم عند الرضا يقبلون عليه بالوجه والحديث . وقوله : * ( ولا يُزَكِّيهِمْ ) * أى : ولا يطهرهم من دنس الكفر والذنوب بالمغفرة ، من التزكية بمعنى التطهير . يقال : زكاه اللَّه ، أى : طهره وأصلحه . وتستعمل التزكية بمعنى الثناء ، ومنه زكى الرجل صاحبه إذا وصفه بالأوصاف المحمودة وأثنى عليه ، فيكون معنى * ( ولا يُزَكِّيهِمْ ) * لا يثنى عليهم - سبحانه - ومن لا يثنى عليه اللَّه فهو معذب . فهؤلاء الذين كتموا الحق نظير شيء قليل من حطام الدنيا ، فقدوا رضا اللَّه عنهم وثناءه عليهم وتطهيره لهم . ثم ختم - سبحانه - الآية ببيان سوء منقلبهم ، وشدة ألم العذاب الذي ينالهم فقال - تعالى - * ( ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) * أى . موجع مؤلم . قال الآلوسى : وقد جاءت هذه الأخبار مرتبة بحسب المعنى ، لأنه لما ذكر - سبحانه - اشتراءهم بذلك - الثمن القليل - وكان كناية عن مطاعمهم الخبيثة الفانية ، بدأ أولا في الخبر بقوله : * ( ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) * . وابتنى على كتمانهم واشترائهم بما أنزل اللَّه ثمنا
356
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 356