نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 35
ثم حذرت السورة بعد ذلك المؤمنين من التعامل بالربا ، ووصفت آكليه بصفات تنفر منها القلوب ، وتعافها النفوس ، ووجهت إلى المؤمنين نداء أمرتهم فيه بتقوى اللَّه ، وأنذرتهم بحرب من اللَّه لهم إن لم يتوبوا عن التعامل بالربا فقالت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّه ورَسُولِه ، وإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ . ثم تحدثت بعد ذلك عن الديون والرهون ، فصاغت للمؤمنين دستورا هو أدق الدساتير المدنية في حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل ، ثم ختمت السورة حديثها الجامع عن العقائد والشرائع والآداب والمعاملات ، بذلك الدعاء الخاشع : رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ، رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَه عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِه ، واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا ، أَنْتَ مَوْلانا ، فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ . تلك هي سورة البقرة ، أرأيت وحدتها في كثرتها ؟ أعرفت اتجاه خطوطها في لوحتها ؟ أرأيت كيف التحمت لبناتها وارتفعت سماؤها بغير عمد تسندها ؟ أرأيت كيف ينادى كل عضو فيها بأنه قد أخذ مكانه المقسوم وفقا لخط جامع مرسوم ، رسمه مربى النفوس ومزكيها ، ومنور العقول وهاديها ومرشد الأرواح وحاديها . فتاللَّه لو أن هذه السورة رتبت بعد تمام نزولها ، لكان جمع أشتاتها على هذه الصورة معجزة ، فكيف وكل نجم منها كان يوضع في رتبته من فور نزوله ، وكان يحفظ لغيره مكانه انتظارا لحلوله . وهكذا كان ما ينزل منها معروف الرتبة ، محدد الموقع قبل أن ينزل . لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات ، وفي أساليب ترتيبه معجزات ، وفي نبوءاته الصادقة معجزات ، وفي تشريعاته الخالدة معجزات ، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات لعمري إنه في ترتيب آياته على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات « 1 » . وبعد : فهذا عرض سريع لأهم مقاصد سورة البقرة ، قدمناه بين يديها لنعطى القارئ الكريم صورة متميزة عنها . ومن هذا العرض نرى أنها بجانب احتوائها على أصول العقائد ، وعلى كثير من أدلة التوحيد ، قد وجهت عنايتها إلى أمرين اقتضتهما حالة المسلمين ، بعد أن
( 1 ) من كتاب « النبأ العظيم » ص 208 لفضيلة الدكتور محمد عبد اللَّه دراز .
35
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 35