نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 32
ثم عادت السورة في الربع التاسع منها إلى الحديث عن الشبهات التي أثارها اليهود عند تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، وقد رد القرآن عليهم بما يدحض هذه الشبهات ، ويهوى باليهود ومن حذا حذوهم في مكان سحيق ، قال - تعالى - : سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ، قُلْ لِلَّه الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إلى أن يقول : ومِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي ، ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد فصلت الحديث عن بنى إسرائيل تفصيلا يحمل المسلمين على العظة والاعتبار ، ويعرفهم طبيعة أولئك القوم الذين خسروا أنفسهم حتى يأخذوا حذرهم منهم ، وينفروا من التشبه بهم . أما المقدار الباقي من السورة الكريمة - وهو أكثر من نصفها بقليل - فعند ما نراجعه بتفكر وتدبر ، نراه زاخرا بالتشريعات الحكيمة ، والآداب العالية ، والتوجيهات السامية . نرى السورة الكريمة في هذا المقدار منها تحدثنا في الربع العاشر منها عن بعض شعائر اللَّه التي تتعلق بالحج ، وعن الأدلة على وحدانية اللَّه . إِلهُكُمْ إِله واحِدٌ لا إِله إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ . إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ ، والْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وما أَنْزَلَ اللَّه مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِه الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، وتَصْرِيفِ الرِّياحِ والسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . ثم بعد أن تصور لنا بأسلوب بليغ مؤثر حسرة المشركين يوم القيامة وهم يتبادلون التهم ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، بعد كل ذلك توجه نداء عاما إلى الناس ، تأمرهم فيه أن يقيدوا أنفسهم بما أحل اللَّه . . وأن يبتعدوا عن محارمه فتقول : يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ والْفَحْشاءِ وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه ما لا تَعْلَمُونَ . فإذا ما وصلنا إلى الربع الحادي عشر منها ، رأيناها تسوق لنا في مطلعه آية جامعة لألوان البر ، وأمهات المسائل الاعتقادية والعملية وهي قوله - تعالى - : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتابِ والنَّبِيِّينَ . إلخ .
32
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 32