نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 301
والمعنى : ولئن جئت - يا محمد - اليهود ومن على طريقتهم في الكفر بكل برهان وحجة ، بأن الحق هو ما جئتهم به ، من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة إلى قبلة المسجد الحرام ، ما صدقوا به ، لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة يزيلها الدليل ، وإنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما في كتبهم من أنك على الحق المبين . وما أنت - يا محمد - بتابع قبلتهم ، لأنك على الهدى وهم على الضلال وفي هذه الجملة الكريمة حسم لأطماعهم ، وتقرير لحقية القبلة إلى الكعبة ، بعد أن أشاعوا بأن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لو ثبت على قبلتهم لكانوا يرجون أنه النبي المنتظر ، فقطع القرآن الكريم آمالهم في رجوع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى قبلتهم ، وأخبر بأنه ليس يتابع لها . ثم ذكر القرآن الكريم اختلاف أهل الكتاب في القبلة ، وأن كل طائفة منهم لا تتبع قبلة الطائفة الأخرى فقال تعالى : * ( وما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ) * أى : ما اليهود بمتبعين لقبلة النصارى ولا النصارى بمتبعين لقبلة اليهود ، فهم مع اتفاقهم على مخالفتك ، مختلفون في باطلهم وذلك لأن اليهود تستقبل بيت المقدس ، والنصارى تستقبل مطلع الشمس . ثم ساق القرآن الكريم بعد ذلك تحذيرا للأمة كلها من اتباع أهل الكتاب ، وجاء هذا التحذير في شخص النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال تعالى : * ( ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) * . أى : لئن اتبعت - يا محمد - قبلتهم - على سبيل الفرض ، والتقدير من بعد وضوح البرهان وإعلامى إياك بإقامتهم على الباطل ، إنك إذا لمن الظالمين لأنفسهم ، المخالفين لأمري . فالآية الكريمة : وعيد وتحذير للأمة الإسلامية من اتباع آراء اليهود المنبعثة عن الهوى والشهوة ، وسيق الوعيد والتحذير في صورة الخطاب للرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الذي لا يتوقع منه أن يتبع أهواء أهل الكتاب ، تأكيدا للوعيد والتحذير ، فكأنه يقول : لو اتبع أهواءهم أفضل الخليقة ، وأعلاهم منزلة عندي ، لجازيته مجازاة الظالمين ، وأحق بهذه المجازاة وأولى من كانوا دونه في الفضل وعلو المنزلة إن اتبعوا أهواء المبطلين وهم اليهود ومن كان على شاكلتهم من المشركين . قال صاحب الكشاف : « فإن قلت : كيف قال وما أنت بتابع قبلتهم ولهم قبلتان ، لليهود قبلة وللنصارى قبلة ؟ . قلت : كلتا القبلتين باطلة ، مخالفة لقبلة الحق ، فكانتا بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة » « 1 » .
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 329 .
301
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 301