نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 282
إبراهيم - عليه السلام - لميله عن الأديان الباطلة التي كانت موجودة في عهده إلى الدين الحق الذي أوحى اللَّه به إليه . وذهب بعض المفسرين إلى أن حنيفا من الحنف وهو الاستقامة . قال الإمام الرازي : « لأهل اللغة في الحنيف قولان : الأول : أن الحنيف هو المستقيم ، ومنه قيل للأعرج أحنف تفاؤلا بالسلامة ، كما قالوا للديغ سليم وللمهلكة مفازة ، قالوا فكل من أسلَّم للَّه ولم ينحرف عنه في شيء فهو حنيف ، وهو مروى عن محمد بن كعب القرظي . الثاني : أن الحنيف المائل ، لأن الأحنف هو الذي يميل كل واحد من قدميه إلى الأخرى بأصابعها . وتحنف إذا مال ، فالمعنى : إن إبراهيم - عليه السلام - حنف إلى دين اللَّه ، أى مال إليه ، فقوله : * ( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) * أى : مخالفا لليهود والنصارى . والمعنى : قل يا محمد لليهود ليس الهدى في أن نتبع ملتكم ، بل الهدى في أن نتبع ملة إبراهيم المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق ، والذي ما كان من المشركين بأى صورة من صور الشرك » « 1 » . وقوله تعالى : * ( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) * أى : بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا . وقد تضمن هذا القول إبطال ما ادعاه كل من اليهود والنصارى ، لأن حرف ( بل ) يؤتى به في صدر الكلام لينفى ما تضمنته الجملة السابقة ، والجملة السابقة هنا هي قول أهل الكتاب * ( وقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا ) * فجاءت بل بعد ذلك لتنفى هذا القول ، ولتثبت أن الهداية إنما هي في اتباع ما كان عليه إبراهيم - عليه السلام - وفي اتباع من سار على نهجه وهو محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . وفي هاتين الجملتين وهما قوله تعالى : * ( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) * . * ( وما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) * دعوة لليهود إلى اتباع ملة إبراهيم لاستقامتها ، ولبعدها عن الشرك ، وفي ذلك تعريض بأن ملتهم ليست مستقيمة ، بل هي معوجة ، وبأن دعواهم اتباع إبراهيم لا أساس لها من الصحة لأنهم أشركوا مع اللَّه آلهة أخرى ، ونسبوا إلى اللَّه تعالى ما لا يليق به . قال الإمام الرازي - ما ملخصه : في الآية الكريمة جواب إلزام لهم وهو قوله تعالى * ( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) * وتقرير هذا الجواب : أنه إن كان طريق الدين التقليد ، فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم ، والأخذ بالمتفق عليه ، أولى من الأخذ بالمختلف فيه .
( 1 ) تفسير الرازي ج 1 ص 518 .
282
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 282