نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 245
وقوله تعالى : * ( مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) * إعلام للمؤمنين ، بأن هؤلاء اليهود لم يؤمروا بذلك في كتابهم ، بل إن كتابهم لينهاهم عن هذا الخلق الذميم ولكنهم لخبث نفوسهم وسوء طباعهم ، رسخ الحسد في قلوبهم لدرجة يعسر معها صرفه عنهم ، أو صرفهم عنه . والجملة الكريمة * ( حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) * تدل على أن أولئك اليهود يعتقدون صحة دين الإسلام ، إذ الإنسان لا يحسد غيره على دين إلا إذا عرف في نفسه صحته ، وأنه طريق الفوز والفلاح . وقوله تعالى : * ( مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) * يدل على أن محبة اليهود لتحويل المؤمنين من الكفر إلى الإيمان وقعت ، بعد أن ظهر لهم صدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وبعد أن تبين لهم أن الصفات التي وردت في التوراة بشأن المبشر به ، لا تنطبق إلا عليه ، وإذا فكفرهم به لم يكن عن جهل وإنما كان عن عناد وجمود على الباطل ، وذلك هو شأن أحبارهم الذين كانوا على علم بالتوراة ، وبتبشيرها بالنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . ثم أمر اللَّه تعالى المؤمنين في ختام الآية أن يقابلوا شرور اليهود بالعفو والصفح ، وأن يوادعوهم إلى حين فقال تعالى : * ( فَاعْفُوا واصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِه إِنَّ اللَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) * . العفو : ترك العقاب على الذنب . والصفح : ترك المؤاخذة عليه ، فكل صفح عفو ولا عكس . والمعنى : عليكم أيها المؤمنون أن تتركوا معاقبة أولئك اليهود الحاسدين وأن تعرضوا عن رفع السيف في وجوههم حتى يأذن اللَّه لكم في أن تشفوا صدوركم منهم ، ويبيح قتالهم الذي يترتب عليه نصركم ، إذ أن كل شيء داخل تحت سلطان قدرته - تعالى - . فالمراد بالأمر في قوله تعالى : * ( حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِه ) * الإذن للمسلمين بقتالهم في الوقت الذي يختاره اللَّه - تعالى - لهم ، عند ما تكون لهم القوة التي يتمكنون بها من جهاد أعدائهم . قال صاحب المنار : قال الأستاذ الإمام : « وفي أمره تعالى لهم بالعفو والصفح إشارة إلى أن المؤمنين على قلتهم هم أصحاب القدرة والشوكة لأن الصفح إنما يطلب من القادر على خلافه كأنه يقول : لا يغرنكم أيها المؤمنون كثرة أهل الكتاب مع باطلهم ، فإنكم على قلتكم أقوى منهم بما أنتم عليه من الحق ، فعاملوهم معاملة القوى العادل ، للضعيف الجاهل وفي إنزال المؤمنين على قلتهم منزلة الأقوياء ، ووضع أهل الكتاب على كثرتهم موضع الضعفاء ، إيذان بأن أهل الحق هم المؤيدون بالعناية الإلهية ، وأن العزة لهم ما ثبتوا على حقهم ، ومهما يتصارع الحق
245
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 245