نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 237
وذلك أن اليهود كانوا يعلنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا ، يقولوا راعنا يورون بالرعونة كما قال تعالى : مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِه ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا ، واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وطَعْناً فِي الدِّينِ ، ولَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا واسْمَعْ وانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وأَقْوَمَ ، ولكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا . وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا ، إنما يقولون السام عليكم والسام هو الموت ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بقولنا وعليكم ، وأنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا ، والغرض أن اللَّه تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا » « 1 » . وقال الإمام ابن تيمية : « كان المسلمون يقولون راعنا يا رسول اللَّه وأرعنا سمعك ، يعنون المراعاة ، وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا بلغة اليهود فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم : كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا له الآن بالشتم ، وكانوا يأتونه ويقولون : راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم ، فسمعها » سعد بن معاذ « ففطن لهم ، - وكان يعرف لغتهم - فقال لليهود : عليكم لعنة اللَّه ، والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لأضر بن عنقه ، فقالوا : أولستم تقولونها ، فأنزل اللَّه - تعالى - * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ) * لكي لا يتخذ اليهود ذلك سبيلا إلى شتم الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم « 2 » . ثم أرشد اللَّه - تعالى - المؤمنين إلى ما يقولونه بدل هذه الكلمة فقال تعالى : * ( وقُولُوا انْظُرْنا ) * أى : لا تقولوا تلك الكلمة - وهي * ( راعِنا ) * أيها المؤمنون لئلا يتخذها اليهود ذريعة لسب نبيكم صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقولوا مكانها « انظرنا » أى : انتظرنا وتأن معنا حتى نفهم عنك ، من نظر بمعنى انتظر تقول نظرت الرجل انظره إذا انتظرته وارتقبته ، وبهذا المعنى ورد قوله تعالى انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أى : انتظرونا نقتبس من نوركم . فالآية الكريمة تنبيه وإرشاد إلى الأدب الجميل ، وهو أن يتجنب الإنسان في مخاطباته الألفاظ التي توهم جفاء أو تنقيصا في مقام يقتضى إظهار مودة أو تعظيم . ثم بين - سبحانه - مصير اليهود المؤلم جزاء تعديهم على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : * ( ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) * ، أى : لهؤلاء اليهود الذين اتخذوا كلمة * ( راعِنا ) * وسيلة إلى سب الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عذاب أليم جزاء كفرهم وتطاولهم وسفاهتهم .
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 148 . ( 2 ) كتاب « الصارم المسلول على شاتم الرسول ، ص 141 للإمام ابن تيمية .
237
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 237