نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 229
وقوله تعالى : * ( وما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) * بيان لما كان ينصح به الملكان من يريد تعلم السحر منهما . والجملة حالية من هاروت وماروت . والفتنة ، المراد بها هنا الابتلاء والاختبار ، تقول : فتنت الذهب في النار ، أى : اختبرته لتعرف جودته ورداءته . والمعنى : أن الملكين لا يعلمان أحدا من الناس السحر إلا وينصحانه بقولهما إن ما نعلمك إياه من فنون السحر الغرض منه الايتلاء والاختبار لتمييز المطيع من المعاصي . فمن عمل به ضل وغوى ، ومن تركه فهو على هدى ونور من اللَّه ، ولإظهار الفرق بين المعجزة والسحر . فحذار أن تستعمل ما تعلمته فيما نهيت عنه فتكون من الكافرين . كما كفر السحرة بنسبتهم التأثيرات إلى الكواكب وغيرها من المخلوقات . فالمقصود من تعليم الملكين للناس السحر ، فضح أمر السحرة الذين كثروا في تلك الأيام ، وادعوا ما لم يأذن به اللَّه ، وإظهار الفرق بين المعجزة والسحر حتى يعلم الناس أن هؤلاء السحرة الذين قد يزعمون بمرور الأيام أنهم أنبياء ليسوا كذلك ، وإنما هم أفاكون ، وأخبروا على أنفسهم بطريق القصر بأنهم فتنة للمبالغة في الإقرار بأنهما لا يملكان نفعا ولا ضرا لأحد ، وإنما هما فتنة محضة ، وابتلاء من اللَّه لعباده لتمييز المطيع من العاصي . ثم بين - سبحانه - لونا من السحر البغيض الذي استعمله أولئك السحرة في الأذى فقال تعالى : * ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِه بَيْنَ الْمَرْءِ وزَوْجِه ) * أى فيتعلم بعض الناس من الملكين ما يحصل به الفراق بين المرء وزوجه . فالجملة الكريمة تفريع عما دل عليه قوله تعالى قبل ذلك : * ( وما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) * لأنه يقتضى أن التعليم حاصل ، وأن بعض المتعلمين قد استعملوه في التفريق بين الزوجين . وخصص سبحانه هذا اللون من السحر بالنص عليه للتنبيه على شدة فساده . وعلى شناعة ذنب من يقوم به . لأنه تسبب عنه التفريق بين الزوجين اللذين جمعت بينهما أواصر المودة والرحمة . والضمير في قوله تعالى : * ( فَيَتَعَلَّمُونَ ) * راجع لأحد ، وصح عود ضمير الجمع عليه مع أنه مفرد ، لوقوعه في سياق النفي ، والنكرة إذا وردت بعد نفى كانت في معنى أفراد كثيرة ، فصح أن يعود ضمير الجمع إليه كذلك . ثم نفى - سبحانه - أن يكون السحر مؤثرا بذاته فقال تعالى : * ( وما هُمْ بِضارِّينَ بِه مِنْ
229
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 229