نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 193
وإخراجهم من ديارهم مع من ليسوا من أقاربكم وليسوا من دينكم ، وأنتم مرتكبون ذلك الإثم والعدوان . وقوله تعالى : * ( وإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ ، وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ ) * بيان لتناقضهم وتفريقهم لأحكام اللَّه تعالى . وأسارى : جمع أسير بمعنى مأسور ، وهو من يؤخذ على سبيل القهر فيشد بالإسار وهو القد - بكسر القاف - ، والقد : سير يقد من جلد غير مدبوغ . وتفادوهم : تنقذوهم من الأسر بالفداء ، يقال : فاداه وفداه : أعطى فداءه فأنقذه . أى : أنتم - يا معشر اليهود - إن وجدتم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم أسرى تسعون في فكاكهم ، وتبذلون عرضا لإطلاقهم ، والشأن أن قتلهم وإخراجهم محرم عليكم كتركهم أسرى في أيدى أعدائكم ، فلما ذا لم تتبعوا حكم التوراة في النهى عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم ؟ وصدرت الجملة الكريمة « وهو محرم عليكم إخراجهم » بضمير الشأن للاهتمام بها . والعناية بشأنها ، وإظهار أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم ، وليس خافيا عليهم . وقوله تعالى : * ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) * توبيخ وتقريع لهم على تفريقهم بين أحكام اللَّه . والمعنى : أفتتبعون أحكام كتابكم في فداء الأسرى ، ولا تتبعونها في نهيكم عن قتال إخوانكم وإخراجهم من ديارهم ؟ فالاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه - تعالى - بالإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر . وبعض الكتاب الذي آمنوا به هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في أيدى عدوهم ، وبعضه الذي كفروا به ما حرم عليهم من القتل والإخراج من الديار ، فالإنكار منصب على جمعهم بين الكفر والإيمان . قال فضيلة المرحوم للشيخ محمد الخضر حسين : « وإنما سمى - سبحانه - عصيانهم بالقتل والإخراج من الديار كفرا لأن من عصى أمر اللَّه - تعالى - بحكم عملي معتقدا أن الحكمة والصلاح فيما فعله ، بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج ، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب . فقد خرج بهذه الحالة النفسية عن سبيل المؤمنين ، وفي الآية الكريمة دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع ويكفر ببعضه ، يدخل في زمرة الكافرين لأن الإيمان كل لا يتجزأ » « 1 » .
( 1 ) مجلة لواء الإسلام العدد 11 السنة الثانية .
193
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 193