نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 148
لذة ، وتتركون المن والسلوى وهو خير مما تطلبون لذة وفائدة ؟ انزلوا إلى مصر من الأمصار فإنكم تجدون به ما طلبتموه من البقول وأشباهها . وأحاطت ببني إسرائيل المهانة والاستكانة كما تحيط القبة بمن ضربت عليه ، وحق عليهم غضب اللَّه . ثم بين اللَّه - تعالى - السبب في جحودهم للنعم وفي أنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة وأنزل عليهم غضبه بقوله : * ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّه ، ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) * إلخ أى : إن الكفر بآيات اللَّه قد تأصل فيهم ، وقتل أنبيائهم بغير الحق قد تكرر منهم حتى صار كالطبيعة الثانية والسجية الثابتة ، فليس غريبا على هؤلاء أن يقولوا لن نصبر على المن والسلوى وأن ينزل بهم غضب اللَّه ونقمته من أجل جحودهم وكفرهم . وقوله تعالى : * ( وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ) * تذكير لهم برغبة من رغباتهم الناشئة عن ذوق سقيم . لا يقدر النعمة قدرها ، وفيه انتقال من تعداد النعم عليهم إلى بيان موفقهم الجحودى منها ، وانسياقهم وراء شهواتهم وأهوائهم وحماقاتهم ، وفيه إشعار بسوء أدبهم في مخاطبتهم لنبيهم موسى - عليه السلام - إذ عبروا عن عدم رغبتهم في تناول المن والسلوى بحرف * ( لَنْ ) * المفيد تأكيد النفي فقالوا * ( لَنْ نَصْبِرَ ) * . . إلخ فكأنهم يقولون له مهددين ، ليلجئوه إلى دعاء ربه سريعا : إننا ابتداء من هذا الوقت الذي نخاطبك فيه إلى أن نموت ، لن نحبس أنفسنا عن كراهية على تناول طعام واحد ، لأننا قد سئمناه ومللناه ، ولن نعود إليه : فالتعبير « بلن » يشعر بشدة ضجرهم ، وبلوغ الكراهية لهذا الطعام منهم منتهاها . قال الحسن البصري - رضي اللَّه عنه - : « بطروا طعم المن والسلوى فلم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وثوم » « 1 » . ووصفوه بالوحدة مع أن المن والسلوى نوعان ، لأنهم أرادوا من الوحدة أنه طعام متكرر في كل يوم لا يختلف بحسب الأوقات ، والعرب تقول لمن يفعل على مائدته في كل يوم من الطعام أنواعا لا تتغير ، إنه يأكل من طعام واحد . وسألوا موسى - عليه السلام - أن يدعو لهم ، لأن دعاء الأنبياء أقرب إلى الإجابة من دعاء غيرهم ، وكذلك دعاء الصالحين ، حيث يصدر من قلوب عامرة بتقوى اللَّه وجلاله ، فيلاقى من الإجابة ما لا يلاقيه دعاء نفوس تستهويها الشهوات ، وتستولى عليها السيئات . وقولهم : * ( فَادْعُ لَنا رَبَّكَ ) * ولم يقولوا ربنا ، لعدم رسوخ الإيمان في قلوبهم ، ولأنه سبحانه - قد اختصه بما لم يعط مثله من مناجاته وتكليمه وإيتائه التوراة .
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 101 .
148
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 148