نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 123
وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لليهود - وهو في ظاهره خير - لأن هذا الإبقاء عليهن ، كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق . فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة ، والطباع الطيبة . قال الإمام الرازي ما ملخصه : ( في ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه : أحدها : أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال ، وذلك يقتضى انقطاع النسل ، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك ، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا . ثانيهما : أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال . لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد . فصارت هذه الخطة عظيمة في المحن ، والنجاة منها تكون في العظم بحسبها . ثالثها : أن قتل الولد عقب الحمل الطويل ، وتحمل التعب ، والرجاء القوى في الانتفاع به ، من أعظم العذاب ، فنعمة اللَّه في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة . رابعها : أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهم ، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات الأعداء وذلك نهاية الذل والهوان ) « 1 » . وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء في قوله تعالى : * ( يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ) * الأطفال دون البالغين ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشافة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح . ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال لا الأطفال ، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء ، والنساء هن البالغات . والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا ، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإنجاء ، حيث كان أهل فرعون يقتلون الصغار قطعا للنسل ، ويسترقون الأمهات استعبادا لهن ، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج ، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت . وقد جاءت جملة * ( يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ) * في هذه الآية الكريمة بدون عطف وجاءت في سورة إبراهيم معطوفة بالواو « 2 » . لأنها هنا بيان وتفسير لجملة * ( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ) * فيكون
( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 358 . ( 2 ) آية سورة إبراهيم هي قوله تعالى : * ( وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِه اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ، ويُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) * الآية 6 .
123
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 123