نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 119
والمعنى : احذروا - يا بنى إسرائيل - يوما عظيما أمامكم ، سيحصل فيه من الحساب والجزاء ما لا منجاة من هوله إلا بتقوى اللَّه في جميع الأحوال والإخلاص له في كل الأعمال ، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئا ما ، مهما يكن ذنبا صغيرا . ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام . فقال تعالى : * ( ولا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ) * الضمير في ( منها ) يعود إلى النفس المحاسبة في ذلك اليوم . والشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، وهي انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ، أى لا يقبل منها أن تأتى بشفيع ليحصل لها نفعا ، أو يدفع عنها ضررا . والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفيا مطلقا ، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك ، من هذه الآيات قوله تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَه إِلَّا بِإِذْنِه « وقوله تعالى : يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَه الرَّحْمنُ ورَضِيَ لَه قَوْلًا « 2 » . وللجمع بين هذه الآيات ، تحمل الآيات التي تنفى الشفاعة نفيا مطلقا على أنها واردة في شأن النفوس الكافرة ، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين إذا أذن اللَّه فيها للشافعين ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام المؤمنين ، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما - أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم قال : « أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت أمتى خير الأمم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة « 3 » . قال الإمام ابن جرير : ( وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة فإن المراد بها خاص في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم . أنه قال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتى ، وأنه قال : ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة ، وإنى خبأت دعوتي شفاعة لأمتى ، وهي نائلة إن شاء اللَّه منهم من لا يشرك باللَّه شيئا . فقد تبين بذلك أن اللَّه جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلَّى اللَّه عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأن قوله * ( ولا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ) *
( 1 ) سورة البقرة الآية 255 . ( 2 ) سور طه الآية 109 . ( 3 ) صحيح البخاري « باب التيمم » ج 1 ص 91 .
119
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 119