نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 65
الظاهر مفرد ، لأن * ( الَّذِي ) * قد يطلق أحيانا بمعنى الذين ، كما في قوله تعالى : وخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أو لأن * ( الَّذِي ) * أريد منه جنس المستوقد ، لا مستوقد بعينه ، فصار في معنى جماعة من المستوقدين . وصح أن يعود عليه ضمير الجمع في قوله * ( بِنُورِهِمْ ) * لذلك . وأورد الظلمات بصيغة الجمع للمبالغة في شدتها ، فكأنها لشدة كثافتها ظلمات بعضها فوق بعض ، وأكد هذا بقوله * ( لا يُبْصِرُونَ ) * أى : أن هذه الظلمات بالغة في الشدة حتى أولئك المحاطين بها لا يتأتى لهم أن يبصروا ، كما أن الشان كذلك بالنسبة للذين طمس على أعينهم . وعبر - سبحانه - بقوله : * ( وتَرَكَهُمْ ) * ولم يقل : ذهب بنورهم وبقوا في ظلمات ، ليدل بذلك على قطع الصلة بينهم وبين ربهم ، وأنهم متروكون غضبا عليهم ونكاية بهم . هذا ، وللعلماء رأيان في تطبيق هذا المثل على المنافقين ، أما الرأى الأول فيرى أصحابه ، أن هذا المثل قد ضرب في قوم دخلوا في الإسلام عند وصول النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة ، ثم تحولوا بعد ذلك إلى الكفر والنفاق فيقال في تطبيق هذا المثل عليهم : إن قصة هؤلاء المنافقين الذين اكتسبوا بإيمانهم نورا ، ثم أبطلوا ذلك بنفاقهم ، ووقعوا في حيرة عظيمة ، كقصة من استوقدوا نارا فلما أضاءت ما حولهم ، سلب اللَّه منهم الضوء فراحوا في ظلام لا يهتدون إلى الخروج منه سبيلا . وأما الرأى الثاني فيرى أصحابه أن هذا المثل إنما ضرب في قوم لم يسبق لهم إيمان وإنما دخلوا في الإسلام من أول أمرهم نفاقا ، فيقال في تطبيق هذا المثل عليهم : إن قصة هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام نفاقا ، فظفروا بحقن دمائهم وبغنائم الجهاد وسائر أحكام المسلمين ، وتمتعوا بذلك في الدنيا قليلا ثم صاروا إلى ظلمات العذاب الدائم في الآخرة - قصة هؤلاء كقصة من استوقدوا نارا لتضيء لهم وينتفعوا بها ، فأضاءت ما حولهم قليلا ، ثم طفئت وصاروا إلى ظلمة شديدة مطبقة . ثم قال - تعالى - : * ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) * . قال القرطبي : والصمم في كلام العرب : الانسداد ، يقال : قناة صماء إذا لم تكن مجوفة ، وصممت القارورة إذا سددتها . فالأصم من انسدت خروق مسامعه . والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم ، والعمى ذهاب البصر . وليس الغرض مما ذكرناه نفى الإدراكات عن حواسهم جملة ، وإنما الغرض نفيها من جهة ما « 1 » . والآية الكريمة خبر لضمير مقدر يعود على المنافقين ، أى : هم صم بكم عمى .
( 1 ) تفسير القرطبي ج 1 ص 214 .
65
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 65