نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 617
ثم حذر اللَّه - تعالى - المؤمنين من وساوس الشيطان وخطواته فقال : * ( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) * . قوله : * ( يَعِدُكُمُ ) * من الوعد ، وهو في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر ، وأما في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإيعاد في الشر . وقد استعمل هنا في الشر نظرا إلى أصل الوضع ، لأن الفقر مما يراه الإنسان شرا ولذلك يخوف الشيطان به المنفقين فيقول لهم : لا تنفقوا الجيد من أموالكم لأن إنفاقكم هذا يؤدى إلى فقركم ونضوب ما بين أيديكم من أموال . والفقر هو ما يصيب الإنسان من سوء في الحال ومن ضعف بسبب قلة المال ، وأصل الفقر في اللغة كسر فقار الظهر ، ثم وصف الإنسان المحتاج الضعيف بأنه فقير تشبيها له بمن كسر فقار ظهره فأصبح عاجزا عن الحركة لأن الظهر هو مجمع الحركات ، ومنه تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر . والفحشاء والفحش والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ، ويرى كثير من العلماء أن المراد بالفحشاء في الآية البخل الشديد فإن كلمة الفاحش تطلق في لغة العرب على البخيل الشديد البخل ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد . < شعر > أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى عقيلة مال الفاحش المتشدد « 1 » < / شعر > والمعنى : الشيطان يوعدكم إذا أنفقتم بالفقر وضياع الأموال ويحذركم من الصدقة بما يوسوس في نفوسكم من شرور وآثام ، ويغريكم بارتكاب المعاصي التي من أقبحها البخل الشديد ، والشح المهلك ، فعليكم أن تحذروه وأن تنفقوا من أموالكم في سبيل اللَّه ما يوصلكم إلى رضوانه ورحمته . قال الجمل : وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل ، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهي التخويف من الفقر فلهذا قال . * ( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ) * « 2 » . وروى الترمذي عن عبد اللَّه بن مسعود قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة - أى همة وخطرة تقع في القلب - فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب
( 1 ) يعتام : أى يختار . والعقيلة : أكرم المال . والفاحش : البخيل والمعنى : أرى الموت يختار الكرام ويختار أفضل مال البخيل ومادام الأمر كذلك فلا فائدة من البخل . ( 2 ) تفسير الجمل ج 1 صفحة 223 .
617
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 617