نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 575
لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين ، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم ، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين . ثم ختم - سبحانه - قصة هؤلاء القوم من بنى إسرائيل بقوله : * ( تِلْكَ آياتُ اللَّه نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) * . أى : تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم هي آيات اللَّه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل الأمين تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل ، وإنك يا محمد * ( لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) * الذين أرسلهم اللَّه - تعالى - بِالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّه ولَوْ كَرِه الْمُشْرِكُونَ . فالإشارة في قوله * ( تِلْكَ آياتُ اللَّه ) * إلى الآيات المتلوة من قوله - تعالى - : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخر القصة . وقيل إليها وإلى القصة التي قبلها وهي قصة القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ . وكانت الإشارة للبعيد ، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات ، ولعلو شأنها ، وكمال معانيها ، والوفاء في مقاصدها . وأضيفت الآيات إلى اللَّه لأنها جزء من هذا القرآن الذي أنزله - سبحانه - على نبيه محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ليكون هداية للناس ، وليحملهم على تدبرها والاعتبار بها لأنها من عند اللَّه الذي شرع لهم ما يسعدهم . وجعل - سبحانه - تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له فقال : * ( نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ) * للإشعار بشرف جبريل ، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره اللَّه به ، فهو رسوله الأمين إلى رسله المكرمين . وجملة * ( نَتْلُوها عَلَيْكَ ) * في محل نصب حال من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة . وقوله : * ( بِالْحَقِّ ) * في موضع نصب حال من مفعول نتلوها أى ملتبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه عاقل . أو من فاعله أى : نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب . وأكد - سبحانه - قوله * ( وإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) * بحرف « إن » وباللام في « لمن » وبالجملة الاسمية ، للرد على من شكك في صدق رسالته صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ولتسليته عما يقوله الجاحدون في شأنه . وبعد : فهذه قصة الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى ، وإن فيها لعبرا متعددة ، وعظات متنوعة لقوم يعقلون . من العبر التي تؤخذ منها : 1 - أن الشعور بالظلم والهوان ، والابتلاء بالمحن والهزائم ، والوقوع تحت أيدى المعتدى ،
575
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 575