نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 518
لمصالحهم وشهواتهم ، أو يتركون ما شرعه اللَّه بتلك الحجة الواهية الساقطة . وأنت ترى هنا أن القرآن قال : * ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّه فَلا تَعْتَدُوها . . . ) * بينما قال هناك في ختام آية الصوم تِلْكَ حُدُودُ اللَّه فَلا تَقْرَبُوها . . « 1 » وذلك لأن الكلام هنا في شأن الأسرة وما يسودها أحيانا من خلافات ، واصطدامات ، واضطرابات . . والخشية هنا إنما هي من تعدى هذه الحدود التي حدها اللَّه في أى مرة من مرات هذا الخلاف . . فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة ، بينما هناك كان الحديث عن محظورات مشتهاة مستلذة تريدها النفس لترضى شهوتي البطن والفرج ، فجاء التحذير من مجرد الاقتراب من هذه الحدود التي حدها اللَّه اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها . فسبحان من هذا كلامه ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّه لَوَجَدُوا فِيه اخْتِلافاً كَثِيراً . ثم بين - سبحانه - أحكام الطلاق المكمل للثلاث ، بعد بيانه لأحكام الطلاق الرجعى وأحكام الخلع فقال - تعالى - : * ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَه مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه ) * . أى : فإن طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة بعد الطلقتين اللتين أباح اللَّه له مراجعتها بعد كل منهما في أثناء العدة ، فإنه في هذه الحالة تكون زوجته محرمة عليه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا صحيحا ، بأن يدخل بها ، ويباشرها مباشرة شرعية كما يباشر الأزواج زوجاتهم . فالمراد بالنكاح في قوله تعالى * ( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه ) * الزواج بشخص آخر يدخل بها دخولا صحيحا . ويؤيد هذا المعنى ويؤكده ما جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وغيره عن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت : جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالت : يا رسول اللَّه إن رفاعة طلقني فبت طلاقى . وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي ، وإن ما معه مثل الهدبة ، فقال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » « 2 » . وواضح من ذوق العسيلة أن يدخل بها ويجامعها . وعلى هذا انعقد إجماع الفقهاء . ولم يلتفتوا إلى ما نسبه بعضهم إلى سعيد بن المسيب من أنه أجاز للمرأة أن تعود إلى زوجها الأول بعد عقد زواجها على الثاني دون أن يدخل بها . وحملوا هذا المنسوب إلى سعيد بن المسيب على أنه من شواذ الفتيا التي لا وزن لها لمخالفتها لنص حديث صحيح لعله لم يبلغه .
( 1 ) الآية 187 من هذه السورة . ( 2 ) صحيح البخاري في كتاب الطلاق الثلاث ج 7 ص 55 .
518
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 518