نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 231
والاشتراء هو اكتساب شيء ببذل غيره ، والمراد أنهم اكتسبوا السحر الذي تتلوه الشياطين بعد أن بذلوا في سبيل ذلك إيمانهم ونصيبهم من الجنة ، وغدوا مفلسين من حظوظ الآخرة ، لإقبالهم على التمويه والكذب ، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير . وأكد - سبحانه - علمهم بضرر السحر بقوله * ( ولَقَدْ عَلِمُوا ) * للإشارة إلى أن اختيارهم للسحر لم ينشأ عن جهلهم بضرره ، وإنما هم الذين اختاروه ومالوا إليه متعمدين وعالمين بعاقبته السيئة . ثم قال تعالى : * ( ولَبِئْسَ ما شَرَوْا بِه أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) * . شروا : بمعنى باعوا ، وبيع الأنفس هنا معناه بيع نصيبها من الجنة . ونعيمها . والمعنى : ولبئس شيئا باع به أولئك السحرة حظوظ أنفسهم تعلم ما يضر من السحر والعمل به ، ولو كانوا ممن ينتفعون بعلمهم لما فعلوا ذلك . وأثبت لهم العلم في قوله تعالى : * ( ولَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراه ) * ثم نفاه عنهم في قوله تعالى : * ( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) * جريا على الأسلوب المعروف في فنون البلاغة من أن العالم بالشيء إذا لم يعمل بموجب علمه نزل منزلة الجاهل ونفى عنه العلم كما ينفى عن الجاهلين . وإلى هذا المعنى الذي قررناه أشار صاحب الكشاف بقوله . فإن قلت كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله : * ( ولَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراه ) * على سبيل التوكيد القسمي ، ثم نفاه عنهم في قوله : * ( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) * ؟ قلت : معناه لو كانوا يعملون بعلمهم . جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه « 1 » . ثم بين - سبحانه - المنافع التي تعود عليهم لو اتبعوا الحق ، بعد أن بين الاضرار التي ترتبت على اتباعهم للباطل فقال تعالى : * ( ولَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّه خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) * أى : لو أن أولئك اليهود النابذين لكتاب اللَّه المتبعين للأوهام والأباطيل ، آمنوا بمحمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أو بالتوراة إيمانا حقا ، واتقوا اللَّه ، فاجتنبوا ما يؤثمهم ومنه السحر والتمويه ، لكانت لهم مثوبة « 2 » من عند اللَّه ، هي خير لهم من السحر وغيره ، ولو كانوا من اولى العلم النافع لفهموا ذلك ، واستبدلوا بالسحر الإيمان والتقوى ، ولكنهم قوم لا يعقلون . فقوله تعالى : * ( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّه خَيْرٌ ) * جواب للو الشرطية ، وأصل التركيب ، لأثيبوا مثوبة
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 228 . ( 2 ) المثوبة : اسم مصدر أثاب أعطى الثواب ، والثواب الجزاء الذي يعطى للغير .
231
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 231