نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 226
نبذهم لكتابه فقال تعالى : * ( واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) * . اتبعوا : من الاتباع وهو الاقتداء ، والضمير فيه يعود على اليهود المعاصرين للنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . وتتلو : من التلاوة بمعنى الاتباع أو القراءة ، وقال الراغب : تلا عليه كذب عليه . والشياطين : جمع شيطان ، وهو كائن حي خلق من النار ، ويطلق على الممتلئ شرا من الأنس . والمعنى : إن هؤلاء اليهود نبذوا كتاب اللَّه ، واتبعوا الذي كانت تتلوه وتقصه الشياطين على عهد ملك سليمان ، وفي زمانه ، من الأكاذيب والكفر ومن ذلك زعمهم أن ملكه قام على أساس السحر ، وأنه ارتد في أواخر حياته ، وعبد الأصنام إرضاء لنسائه الوثنيات إلى غير ذلك من الأكاذيب التي ألصقوها به - عليه السلام - وهو برىء منها . قال صاحب الكشاف : وقوله تعالى : * ( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) * أى على عهد ملكه وفي زمانه ، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة ، وقد دونوها في كتب يقرؤنها ويعلمونها للناس ، وفشا ذلك في زمان سليمان - عليه السلام - حتى قالوا : إن الجن تعلم الغيب ، وكانوا يقولون : ما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه يسخر الإنس والجن والريح التي تجرى بأمره « 1 » . وقوله تعالى : * ( وما كَفَرَ سُلَيْمانُ ولكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا ) * معناه : وما كفر سليمان ولكن الشياطين هم الذين كفروا إذ تعلموا السحر وعلموه لغيرهم بقصد إضلالهم ، وصرفهم عن عبادة - اللَّه - تعالى - إلى عبادة غيره من المخلوقات . ففي الجملة الكريمة تنزيه لسليمان - عليه السلام - عن الردة والشرك وتبرئة له من عمل السحر الذي كان يتعاطاه أولئك الشياطين وينسبونه إليه زورا وبهتانا ، ودلالة على أن ذلك السحر الذي نسبوه إليه وباشرته الشياطين نوع من الكفر . وقد كان اليهود يعتقدون كفر سليمان ، وأنه ارتد في آخر عمره ، وعبد الأصنام وبنى لها المعابد ، وكانوا عند ما يذكر النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سليمان بين الأنبياء يقولون : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل ، يذكر سليمان مع الأنبياء ، وإنما كان ساحرا يركب الريح . فإن قال قائل : ما الحكمة في نفى الكفر عن سليمان مع أن صدر الآية لا يفيد أن أحدا نسب إليه ذلك . فالجواب : أن اليهود الذين نبذوا كتاب اللَّه ، واتبعوا ما تلته الشياطين من السحر أضافوا
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 222 .
226
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 226