responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 214


وقوله تعالى : * ( واللَّه عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) * وارد مورد التهديد والوعيد لهم وكان اليهود ظالمين بسبب ما قدمت أيديهم وبسبب كونهم قد كذبوا على اللَّه في دعواهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان منهم .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بأن هؤلاء اليهود الذين يزعمون أن الجنة خالصة لهم في غاية الحرص على الحياة فقال تعالى : * ( ولَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وما هُوَ بِمُزَحْزِحِه مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ واللَّه بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) * .
ومعنى الآية الكريمة : ولتجدن - يا محمد - أولئك اليهود - الذين يزعمون أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس - لتجدنهم أحب الناس للحياة ، وأحرصهم عليها ، وأشدهم كراهية للموت « وليس ذلك عند ما يكونون متمتعين بالطمأنينة والعافية فقط بل هم كذلك حتى ولو زالت عنها كل معاني الراحة والطمأنينة ، فهم أحرص عليها حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث ، والذين يعتبرون نعيمهم الأكبر هو ما يتمتعون به من اللذائذ في هذه الدنيا ، وهم في حرصهم على الحياة يتمنون أن تطول أعمارهم دهورا طويلة ، لا يصل إليها خيال أحد ممن يحرصون عليها كما قال تعالى : * ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) * . وبذلك تكون الآية الكريمة قد كذبتهم في دعواهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس لأن الأمر لو كان كما يزعمون لرحبوا بالانتقال إليها ، ولكنهم لا يحبون الموت ولا يكاد يخطر ببالهم ، ويحرصون كل الحرص على اللقاء حتى مع سوء الحالة ورذالة العيش ، كما يشعر بذلك التنكير في قوله تعالى * ( عَلى حَياةٍ ) * .
والمراد بالناس جميعهم ، وأفعل التفضيل في « أحرص » على بابه ، لأن الحرص على الحياة غريزة في البشر إلا أنهم متفاوتون فيه قوة وكيفية وأسبابا ، كما قال الشاعر :
< شعر > أرى كلنا يهوى الحياة بسعيه حريصا عليها مستهاما بها صبا < / شعر > < شعر > فحب الجبان النفس أورده التقى وحب الشجاع النفس أورده الحربا < / شعر > فالناس جميعا وإن كانوا يشتركون مع اليهود في الحرص على الحياة ، إلا أن اليهود يزيدون على سائر الناس أنهم أحرصهم ، وأنهم من أجل حرصهم عليها يضحون بدينهم وبكرامتهم وبكل شيء .
ونكر - سبحانه - الحياة التي يحرصون عليها ، زيادة في تحقيرهم ، فكأنه - سبحانه - يقول : إنهم شديد والحرص على الحياة ، ولو كانت حياة بؤس وشقاء ، وللإشعار بأن ما يهمهم

214

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست