نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 210
كانت هذه الكلمة وحدها بمثابة حركة تطويق للخصم تمت خطوة واحدة ، وفي غير ما جلبة ولا طنطنة . ولما قضى وطر النفس من هذا الجانب المطوى الذي ساقه مساق الاعتراض والاستطراد ، استوى إلى الرد على المقصد الأصلى الذي تبجحوا بإعلانه والافتخار به ، وهو دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم ، فأوسعهم إكذابا وتفنيدا . وبين أن داء الجحود فيهم داء قديم ، قد أشربوه في قلوبهم ومضت عليه القرون حتى أصبح مرضا مزمنا وأن الذي أتوه اليوم من الكفر بما أنزل على محمد ما هو إلا حلقة متصلة بسلسلة كفرهم بما أنزل عليهم ، وساق على ذلك الشواهد التاريخية المفظعة التي لا سبيل لإنكارها في جهلهم باللَّه ، وانتهاكهم لحرمة أنبيائه ، وتمردهم على أوامره * ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّه مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * . تأمل كيف أن هذا الانتقال كانت النفس قد استعدت له في آخر المرحلة السابقة ، إذ يفهم السامع من تكذيبهم لما يصدق كتابهم أنهم صاروا مكذبين لكتابهم نفسه ، وهل الذي يكذب من يصدقك يبقى مصدقا لك ؟ ؟ . . . ثم انظر بعد أن سجل القرآن على بنى إسرائيل أفحش الفحش وهو وضعهم البقر الذي هو مثل في البلادة موضع المعبود الأقدس ، وبعد أن وصف قسوة قلوبهم في تأبيهم على أوامر اللَّه مع حملهم عليها بالآيات الرهيبة . بعد كل ذلك تراه لا يزيد على أن يقول في أول الأمر : إن هذا « ظلم » ، وفي الثانية ( بئسما ) صنعتم ، أذلك كل ما تقابل به هذه الشناعات ؟ نعم إنهما كلمتان وافيتان بمقدار الجريمة لو فهمتا على وجههما ، ولكن أين حدة الألم وحرارة الاندفاع في الانتقام ؟ بل أين الإقذاع والتشنيع ؟ وأين الإسراف والفجور الذي تراه في كلام الناس ، إذا أحفظوا بالنيل من مقامهم . تاللَّه ما أعف هذه الخصومة وما أعز هذا الجناب ، وأغناه عن شكر الشاكرين وكفر الكافرين ، وتاللَّه إن هذا الكلام لا يصدر عن نفس بشر » « 1 » . ثم أمر اللَّه - تعالى - نبيه « صلَّى اللَّه عليه وسلَّم » أن يرد على اليهود في دعواهم أن الجنة لن يدخلها إلا من كان على ملتهم فقال - تعالى - : [ سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 94 الى 96 ] قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّه خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( 94 ) ولَنْ يَتَمَنَّوْه أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ واللَّه عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 95 ) ولَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وما هُوَ بِمُزَحْزِحِه مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ واللَّه بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ( 96 )
( 1 ) عن كتاب * ( النَّبَإِ الْعَظِيمِ ) * من ص 114 : ص 122 لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد اللَّه دراز .
210
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 210