نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 204
ثم أمر اللَّه - تعالى - رسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يوبخهم ويبطل دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم بدليل إلزامى فقال تعالى : * ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّه مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * . والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين إذا دعوتهم إلى الإيمان بك قالوا . * ( نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ) * قل لهم : إن كنتم حقا مؤمنين بما أنزل عليكم وهو التوراة ، فلأى شيء تقتلون أنبياء اللَّه مع أن التوراة تحرم عليكم قتلهم ، بل هي تأمركم باتباعهم وتصديقهم وطاعتهم لأنه أرسلهم لهدايتكم وسعادتكم . إن قتلكم لهم أكبر دليل على أنكم لم تؤمنوا لا بما أنزل عليكم ولا بغيره وأنكم كاذبون في مدعاكم لأن جميع ما أنزل اللَّه من وحى يحرم قتل الأنبياء ، ويأمر الناس باتباعهم وطاعتهم . ويرجع معنى الآية إلى نفى فعل الشرط وهو كونهم مؤمنين ، إذ لا وجه لقتلهم الأنبياء إلا عدم إيمانهم بالتوراة ، وهذا كما تريد أن تنفى عن رجل العقل لفعله ما ليس من شأنه أن يصدر من عاقل ، فتقول له : إن كنت عاقلا فلم فعلت كذا ؟ أى أنت لست بعاقل . والفاء في قوله تعالى : * ( فَلِمَ تَقْتُلُونَ ) * واقعة في جواب محذوف دل عليه ما بعده ، والتقدير إن كنتم مؤمنين بما أنزل عليكم فلم تقتلون أنبياء اللَّه - تعالى - والإتيان بالمضارع في قوله - تعالى - : * ( تَقْتُلُونَ ) * مع أن القتل للأنبياء وقع من أسلافهم بقرينة قوله تعالى : * ( مِنْ قَبْلُ ) * لقصد استحضار تلك الجناية الشنيعة ، وللتنبيه على أن ارتكابهم لتلك الجريمة البشعة يتجدد ويقع منهم المرة تلو الأخرى ، وللإشعار بأن الخلف يمشون على عماية السلف ، في التعدي والعصيان ، فلقد حاول اليهود المعاصرون للعهد النبوي قتل الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ولكن اللَّه - تعالى - عصمه منهم ، ونجاه من مكرهم . وأضاف سبحانه - الأنبياء إليه فقال : * ( أَنْبِياءَ اللَّه ) * للتنبيه على شرفهم العظيم ، وللدلالة على فظاعة عصيان اليهود واجتراحهم المنكر ، إذ قابلوا بالقتل من يجب عليهم أن يقابلوهم بالتصديق والتوقير والطاعة . ثم ذكر القرآن الكريم لهم جنايات أخرى تدل على أنهم لم يؤمنوا بما أنزل عليهم كما يدعون . ومن تلك الجنايات عبادتهم العجل ، فقال تعالى : * ( ولَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِه وأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) * . البينات : جمع بينة وهي الآيات والمعجزات الدالة على صدقه وحقية نبوته ، كانقلاب العصا ثعبانا ، وفلق البحر ، وانفجار العيون من الحجر . . . إلخ . وإنما سماها اللَّه بينات ، لأنها لما كانت لا يقدر على أن يأتى بها بشر إلا بتسخير اللَّه ذلك له
204
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 204