نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 169
بياض أو سواد أو غيرهما ، بل هي صفراء كلها . وأرادوا بالحق في قوله تعالى : * ( قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) * الوصف الواضح الذي لا اشتباه فيه ولا احتمال ، فكأنهم يقولون له : الآن - فقط - جئتنا بحقيقة وصف البقرة ، فقد ميزتها عن جميع ما عداها ، من جهة اللون وكونها من السوائم لا العوامل ، وبذلك لم يبق لنا في شأنها اشتباه أصلا . والفاء في قوله تعالى : * ( فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ ) * قد عطفت ما بعدها على محذوف يدل عليه المقام ، والتقدير فظفروا بها فذبحوها ، أى : فذبح قوم موسى البقرة التي وصفها اللَّه - تعالى - لهم ، بعد ما قاربوا أن يتركوا ذبحها ، ويدعوا ما أمروا به ، لتشككهم في صحة ما يوجه إليهم من إرشادات ولكثرة مما طلتهم . قال صاحب الكشاف : وقوله تعالى : * ( وما كادُوا يَفْعَلُونَ ) * استثقال لاستقصائهم ، وأنهم لتطويلهم المفرط . وكثرة استكشافهم ، ما كادوا يذبحونها وما كادت تنتهي سؤالاتهم ، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم ، وقيل : ما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها ، وقيل لخوف الفضيحة في ظهور القاتل » « 1 » . ثم كشف اللَّه - تعالى - بعد ذلك عن الغاية التي من أجلها أمروا بذبح البقرة فقال تعالى : * ( وإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها واللَّه مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوه بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّه الْمَوْتى ويُرِيكُمْ آياتِه لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) * . المعنى : واذكروا يا بنى إسرائيل إذ قتلتم نفسا ، فاختلفتم وتنازعتم في قاتلها ، ودفع كل واحد منكم التهمة عن نفسه ، واللَّه - عز وجل - مخرج لا محالة ما كتمتم من أمر القاتل ، فقد بين - سبحانه - الحق في ذلك فقال على لسان رسوله موسى - عليه السلام - اضربوا القتيل بأى جزء من أجزاء البقرة ، فضربتموه ببعضها فعادت إليه الحياة - بإذن اللَّه - وأخبر عن قاتله ، وبمثل هذا الإحياء لذلك القتيل بعد موته ، يحيى اللَّه الموتى للحساب والجزاء يوم القيامة ، ويبين لكم الدلائل الدالة على أنه قدير على كل شيء رجاء أن تعقلوا الأمور على وجهها السليم . وجمهور المفسرين على أن واقعة قتل النفس وتنازعهم فيها ، حصلت قبل الأمر بذبح البقرة ، إلا أن القرآن الكريم أخرها في الذكر ليعدد على بنى إسرائيل جناياتهم وليشوق النفوس إلى معرفة الحكمة من وراء الأمر بذبحها ، فتتقبلها بشغف واهتمام . قال صاحب الكشاف . فإن قلت فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدم ذكر
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 230 .
169
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 169