نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 170
القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها ، وأن يقال : وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ؟ قلت : كل ما قص من قصص بنى إسرائيل إنما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعا لهم عليها ، ولما جدد فيهم من الآيات العظام ، وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين . فالأولى : لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك . والثانية : للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة ، وإنما قدم قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل ، لأنه لو عمل على عكسه لكانت القصة واحدة ، ولذهب الغرض من تثنية التقريع ، ولقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها ، أن وصلت بالأولى ، دلالة على اتحادهما ، بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله : اضْرِبُوه بِبَعْضِها حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ونيته ، بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها ، وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة » « 1 » . وقد أسند القرآن الكريم القتل إلى جميعهم في قوله تعالى : * ( وإِذْ قَتَلْتُمْ ) * مع أن القاتل بعضهم ، للإشعار بأن الأمة في مجموعها وتكافلها كالشخص الواحد . وأسند القتل - أيضا - إلى اليهود المعاصرين للعهد النبوي ، لأنهم من سلالات أولئك الذين حدث فيهم القتل ، وكثيرا ما يستعمل القرآن الكريم هذا الأسلوب للتنبيه على أن الخلف قد سار على طريقة السلف في الانحراف والضلال . وقوله تعالى : * ( فَادَّارَأْتُمْ فِيها ) * بيان لما حصل منهم بعد قتل النفس التي ذكرنا قصتها ومعنى ادارأتم فيها : اختلفتم وتخاصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أى يدفعه ويزحمه ، أى تدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فدفع المطروح عليه الطارح ، ليدفع الجناية عن نفسه ويتهم غيره . وقوله تعالى : * ( واللَّه مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) * معناه : واللَّه - تعالى - مظهر ومعلن ما كنتم تسترونه من أمر القتيل الذي قتلتموه ، ثم تنازعتم في شأن قاتله ، وذلك ليتبين القاتل الحقيقي بدون أن يظلم غيره . وهذه الجملة الكريمة * ( واللَّه مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) * معترضة بين قوله تعالى * ( فَادَّارَأْتُمْ ) * وبين قوله تعالى : فَقُلْنا اضْرِبُوه بِبَعْضِها . وفائدته إشعار المخاطبين قبل أن يسمعوا ما أمروا بفعله ، بأن القاتل الحقيقي سينكشف أمره لا محالة .
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 220 .
170
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 170