نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 165
( وقد نبهت الآية الكريمة ، على أن الاستهزاء بأمر من أمور الدين جهل كبير ، ومن الجهل ما يلقى صاحبه في أسوأ العواقب ، ويقذف به في عذاب الحريق ، ومن هنا منع المحققون من أهل العلم استعمال الآيات كأمثال يضربونها في مقام المزح والهزل ، وقالوا : إنما أنزل القرآن الكريم ليتلى بتدبر وخشوع ، وليعمل به بتقبل وخضوع ) « 1 » . هذا وما أرشدهم إليه نبيهم - عليه السلام - كان كافيا لحملهم على أن يذبحوا أى بقرة تنفيذا لأمر ربهم ، ولكن طبيعتهم الملتوية المعقدة لم تفارقهم ، فأخذوا يسألون كما أخبر القرآن عنهم بقوله : * ( قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) * ؟ أى : قال بنو إسرائيل لموسى اطلب لنا من ربك أن يبين لنا حالها وصفاتها « 2 » . وسبب سؤالهم عن صفتها ، تعجبهم من بقرة مذبوحة بأيديهم ، يضرب ببعضها ميت لتعود إليه الحياة ، وكأنهم - لقلة فهمهم - قد توقعوا أن البقرة التي يكون لها أثر في معرفة قاتل القتيل ، لا بد أن تكون لها صفة متميزة عن سائر جنسها . وسؤالهم بهذه الطريقة يوحى بسوء أدبهم مع اللَّه - تعالى - ومع نبيهم موسى - عليه السلام - لأنهم قالوا * ( ادْعُ لَنا رَبَّكَ ) * فكأنما هو رب موسى وحده ، لا ربهم كذلك ، وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعنى موسى وربه ومع هذا فقد أجابهم إجابة المربى الحكيم للأتباع السفهاء الذين ابتلى بهم فقال : * ( قالَ إِنَّه يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ ) * « 3 » * ( ولا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ) * . أى : قال لهم موسى بعد أن أخبره اللَّه بصفتها : إنه - تعالى - يقول : إن البقرة التي آمركم بذبحها لا مسنة ولا صغيرة ، بل نصف بينهما ، فاتركوا الإلحاح في الأسئلة ، وسارعوا إلى امتثال ما أمرتم به .
( 1 ) مجلة لواء الإسلام العدد السابع السنة الثانية ص 8 . ( 2 ) ( ما ) هنا مراد بها السؤال عن الصفة كما يقول من يسمع الناس يتكلمون عن حاتم أو الأحنف وقد علم أنهما رجلان ، ولم يعلم صفتيهما ما حاتم ؟ أو ما الأحنف ؟ فيقال : كريم أو حليم . ( 3 ) الفارض المسنة اسم للبقرة التي انقطعت ولادتها من الكبر ، وسميت بذلك لأنها فرضت سنها أى قطعتها وبلغت آخرها . والبكر هي الفتية مشتقة من البكرة - بالضم - وهي أول النهار ، والمراد بها هنا التي لم تلد . قال ابن جرير ( البكر من إناث البهائم وبنى آدم ما لم يفتحله الفحل ) والعوان هي المتوسطة في السن : وصح إضافة ( بين ) إلى اسم الإشارة ( ذلك ) لأنه أشير إلى الفارض والبكر . قال ابن جرير : ( العوان النصف التي قد ولدت بطنا من بطن . . وجمعها عون . يقال : امرأة عوان من نسوة عون ، وحرب عوان إذا كانت حربا قد قوتل فيها مرة بعد أخرى ) .
165
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 165