responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 164


وقد ساق القرآن الكريم هذه القصة بأسلوبه البديع الذي يأخذ بمجامع القلوب ، ويحرك النفوس إلى النظر والاعتبار ، فقال تعالى :
* ( وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِه إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ، قالَ أَعُوذُ بِاللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) * .
ومعنى الآية الكريمة : واذكروا يا بنى إسرائيل - لتعتبروا وتتعظوا وقت أن حدث في أسلافكم قتيل ولم يعرف الجاني . فطلب بعض أهله وغيرهم ممن يهمه الأمر من موسى - عليه السلام - أن يدعو اللَّه - تعالى - ليكشف لهم عن القاتل الحقيقي ، فقال لهم * ( إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) * فدهشوا وقالوا بسفاهة وحماقة * ( أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) * ؟ أى أتجعلنا موضع سخريتك ؟ * ( قالَ أَعُوذُ بِاللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) * الذين يخبرون عنه بما لم يأمر به .
والذي عليه جمهور المفسرين أن أمرهم بذبح البقرة كان بعد تنازعهم في شأن القاتل من هو ؟ وذلك ليعرف القاتل الحقيقي إذا ضرب القتيل ببعضها ، كما سيأتى في قوله تعالى : * ( وإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها واللَّه مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) * .
وقد أمرهم اللَّه - تعالى - بذبح بقرة دون غيرها من الحيوانات لأنها من جنس ما عبدوه وهو العجل ، وفي أمرهم بذلك تهوين لشأن هذا الحيوان الذي عظموه وعبدوه وأحبوه فكأنه - سبحانه - يقول لهم : إن هذا البقر الذي يضرب به المثل في البلادة ، لا يصلح أن يكون معبودا من دون اللَّه ، وإنما يصلح للحرث والسقي والعمل والذبح .
وقولهم * ( أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) * ؟ يدل على سفههم وسوء ظنهم بنبيهم وعدم توقيرهم له وجهلهم بعظمة اللَّه - تعالى - وما يجب أن يقابل به أمره من الانقياد والامتثال ، لأنهم لو كانوا عقلاء لامتثلوا أمر نبيهم ، وانتظروا النتيجة بعد ذلك . ولكنهم قوم لا يعقلون .
ولما كان قولهم هذا القول يدل على اعتقادهم بأن موسى - عليه السلام - قد أخبر عن اللَّه بما لم يؤمر به ، أجابهم موسى بقوله : * ( أَعُوذُ بِاللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) * : أى ألتجئ إلى اللَّه وأبرأ إليه من أن أكون من السفهاء الذين يروون عنه الكذب والباطل ، وفي هذا الجواب تبرؤ وتنزه عن الهزء ، وهو المزاح الذي يخالطه احتقار واستخفاف بالممازح معه - لأنه لا يليق بعقلاء الناس فضلا عن رسل اللَّه - عليهم السلام - كما أن فيه - أيضا - ردا لهم - عن طريق التعريض بهم - إلى جادة الأدب الواجب في جانب الخالق ، حيث بين لهم أن ما ظنوه به لا يليق إلا بمن يجهل عظمة اللَّه - تعالى - .
قال فضيلة المرحوم الشيخ محمد الخضر حسين عند تفسيره للآية الكريمة :

164

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست