responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 109


عقاب اللَّه ، يستلزم امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فمعنى « وإياى فاتقون » آمنوا بي ، واتبعوا الحق وأعرضوا عن الباطل .
وبعد أن نهى القرآن الكريم بنى إسرائيل عن الكفر والضلال ، عقب ذلك بنهيهم عن أن يعملوا لإضلال غيرهم ، فقال - تعالى - : * ( ولا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ ، وتَكْتُمُوا الْحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) * .
اللبس - بفتح اللام - الخلط ، وفعله : لبس ، من باب : ضرب تقول : لبست عليه الأمر ، ألبسه إذا مزجت بينه بمشكله ، وحقه بباطله .
ولدعاة الضلالة طريقتان في إغواء الناس :
إحداهما : طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر وهي المشار إليها بقوله تعالى : * ( ولا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) * .
والثانية : طريقة جحد الحق وإخفائه حتى لا يظهر ، وهي المشار إليها بقوله تعالى :
* ( وتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) * .
وقد استعمل بنو إسرائيل الطريقتين لصرف الناس عن الإسلام ، فقد كان بعضهم يؤول نصوص كتبهم الدالة على صدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم تأويلا فاسدا ، يخلطون فيه الحق بالباطل ، ليوهموا العامة أنه ليس هو النبي المنتظر ، وكان بعضهم يلقى حول الحق الظاهر شبها ، ليوقع ضعفاء الإيمان في حيرة وتردد ، وكان بعضهم يخفى أو يحذف النصوص الدالة على صدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم ، والتي لا توافق أهواءهم وشهواتهم ، فنهاهم اللَّه - تعالى - عن هذه التصرفات الخبيثة .
والمعنى : ولا تخلطوا الحق الواضح الذي نطقت به الكتب السماوية ، وأيدته العقول السليمة ، بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم ، إرضاء لأهوائكم ، ولا تكتموا الحق الذي تعرفونه ، كما تعرفون أبناءكم ، بغية انصراف الناس عنه « لأن من جهل شيئا عاداه ، فالنهي الأول عن التغيير والخلط ، والنهى الثاني عن الكتمان والإخفاء .
وقوله تعالى : * ( وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) * جملة حالية ، أى وأنتم من ذوى العلم ، ولا يناسب من كان كذلك أن يكتم الحق ، أو يلبسه بالباطل ، وإذا كان هذا الفعل - وهو لبس الحق بالباطل ، أو كتمانه وإظهار الباطل وحده - يعد من كبائر الذنوب ، فإن وقعه يكون أقبح ، وفساده أكبر ، وعاقبته أشأم متى صدر من عالم فاهم ، يميز بين الحق والباطل .
ففي هذه الجملة الكريمة بيان لحال بنى إسرائيل ، المخاطبين بهذا النهى ، وتبكيت لهم ، لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه عن جهالة ، وإنما عن علم وإصرار على سلوك هذا الطريق المعوج .

109

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 109
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست