نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 78
ولم يعتبر حكم الأعم الأكثر مع تعلق الأحكام في الأصول بالأعم الأكثر ، ألا ترى أن الحكم في كل من في دار الاسلام ودار الحرب يتعلق بالأعم الأكثر دون الأخص الأقل حتى صار من في دار الاسلام محظورا قتله ، مع العلم بأن فيها من يستحق القتل من مرتد وملحد وحربي ، ومن في دار الحرب يستباح قتله مع ما فيها من مسلم تاجر أو أسير ؟ وكذلك سائر الأصول على هذا المنهاج يجري حكمها ، ولم يكن للأكثر الأعم حكم في بطلان الصلاة مع العلم بأنهم على غير محاذاة الكعبة ، ثبت أن الذي كلف كل واحد منهم في وقته هو ما عنده أنه جهة الكعبة وفي اجتهاده في الحال التي يسوغ الاجتهاد فيها ، وأن لا إعادة على واحد منهم في الثاني . فإن قيل : فأنت توجب الإعادة على من صلى باجتهاده مع إمكان المسألة عنها إذا تبين له خلافها . قيل له : ليس هذا موضع الاجتهاد مع وجود من يسأله عنها ، وإنما أجزنا فيما وصفنا صلاة من اجتهد في الحال التي يسوغ الاجتهاد فيها ، وإذا وجد من يسأله عن جهة الكعبة لم يكلف فعل الصلاة باجتهاده وإنما كلف المسألة عنها . ويدل على ما ذكرنا أنه معلوم أنه من غاب عن حضرة النبي صلى الله عليه السلام فإنما يؤدي فرضه باجتهاده مع تجويزه أن يكون ذلك الفرض فيه نسخ . وقد ثبت أن أهل قبا كانوا يصلون إلى بيت المقدس ، فأتاهم آت فأخبرهم أن القبلة قد حولت ، فاستداروا في صلاتهم إلى الكعبة وقد كانوا قبل ذلك مستدبرين لها ، لأن من استقبل بيت المقدس وهو بالمدينة فهو مستدبر للكعبة ، ثم لم يؤمروا بالإعادة حين فعلوا بعض الصلاة إلى بيت المقدس مع ورود النسخ ، إذ الأغلب أنهم ابتدأوا الصلاة بعد النسخ ، لأن النسخ نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ، ثم سار المخبر إلى قبا بعد النسخ وبينهما نحو فرسخ . فهذا يدل على أن ابتداء صلاتهم كان بعد النسخ لامتناع أن يطول مكثهم في الصلاة هذه المدة ، ولو كان ابتداؤها قبل النسخ كانت دلالته قائمة لأنهم فعلوا بعض الصلاة إلى بيت المقدس بعد النسخ . فإن قيل : إنما جاز ذلك لأنهم ابتدأوها قبل النسخ وكان ذلك فرضهم ولم يكن عليهم فرض غيره ! قيل له : وكذلك المجتهد فرضه ما أداه إليه اجتهاده ليس عليه فرض غيره . فإن قيل : إذا تبين أنه صلى إلى غير الكعبة كان بمنزلة من اجتهد في حكم حادثة ثم وجد النص فيه ، فيبطل اجتهاده مع النص ! قيل له : ليس هذا كما ظننت ، لأن النص في جهة الكعبة إنما هو في حال معاينتها أو العلم بها ، وليست للصلاة جهة واحدة يتوجه إليها المصلي ، بل سائر الجهات للمصلين على حسب اختلاف أحوالهم ، فمن شاهد
78
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 78