نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 628
الطالب . وروى مطرف بن مازن قاضي أهل اليمن عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : ( أدركت هذا البلد - يعني مكة - وما يقضى فيه في الحقوق إلا بشاهدين ، حتى كان عبد الملك بن مروان يقضي بشاهد ويمين ) . وروى الليث بن سعد عن زريق بن حكيم ، أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز وهو عامله : إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد ويمين صاحب الحق ، فكتب إليه عمر : إنا قد كنا نقضي كذلك ، وإنا وجدنا الناس على غير ذلك ، فلا تقضين إلا بشهادة رجلين أو برجل وامرأتين . فقد أخبر هؤلاء السلف أن القضاء باليمين سنة معاوية وعبد الملك وأنه ليس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كان ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لما خفى على علماء التابعين . فهذان الوجهان اللذان ذكرنا ، أحدهما : فساد السند واضطرابه ، والثاني : جحود سهيل له وهو العمدة فيه ، وأخبار ربيعة أن أصله ما وجد في كتاب سعد ، وإنكار علماء التابعين وأخبارهم أنه بدعة وأن معاوية وعبد الملك أول من قضى به . والوجه الثالث : أنها لو وردت من طرق مستقيمة تقبل أخبار الآحاد في مثلها وعريت من ظهور نكير السلف على روايتها وإخبارهم أنها بدعة ، لما جاز الاعتراض بها على نص القرآن ، إذ غير جائز نسخ القرآن بأخبار الآحاد ، ووجه النسخ منه أن المفهوم منه الذي لا يرتاب به أحد من سامعي الآية من أهل اللغة حظر قبول أقل من شاهدين أو رجل وامرأتين . وفي استعمال هذا الخبر ترك موجب الآية والاقتصار على أقل من العدد المذكور ، إذ غير جائز أن ينطوي تحت ذكر العدد المذكور في الآية الشاهد واليمين ، كما كان المفهوم من قوله : ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) [ النور : 4 ] وقوله : ( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] منع الاقتصار على أقل منها في كونها حدا . فإن قال قائل : ( جائز أن يكون حد القاذف أقل من ثمانين ، وحد الزاني أقل من مائة ) كان مخالفا للآية ، كذلك من قبل شهادة رجل واحد فقد خالف أمر الله تعالى في استشهاد شاهدين . وهو مخالف لمعنى الآية كذلك من وجه آخر : وهو ما أبان الله تعالى به عن المقصد في الكتاب واستشهاد الشهود في قوله : ( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا ) وقوله : ( ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) فأخبر أن المقصد فيه الاحتياط والتوثق لصاحب الحق والاستظهار بالكتاب والشهود لنفي الريبة والشك والتهمة عن الشهود في قوله : ( ممن ترضون من الشهداء ) وفي الحكم بشاهد ويمين دفع هذه المعاني كلها وإسقاط اعتبارها ، فثبت بما وصفنا أن الحكم بها خلاف الآية . فهذان الوجهان مما قد ظهر بهما مخالفة الحكم بالشاهد واليمين للآية . وأيضا فلما كان حكم القرآن في الشاهدين والرجل والمرأتين
628
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 628