نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 621
من الشهداء ) مع قلة حروفه وبلاغة لفظه ووجازته اختصاره وظهور فوائده ! وجميع ما ذكرنا من عند ذكرنا لمعنى هذا اللفظ من أقاويل السلف والخلف واستنباط كل واحد منهم ما في مضمونه وتحريم موافقته مع احتماله لجميع ذلك ، يدل على أنه كلام الله ومن عنده تعالى وتقدس ، إذ ليس في وسع المخلوقين إيراد لفظ يتضمن من المعاني والدلالات والفوائد والأحكام ما تضمنه هذا القول مع اختصاره وقلة عدد حروفه . وعسى أن يكون ما لم يحط به علمنا من معانيه مما لو كتب لطال وكثر ، والله نسئل التوفيق لنعلم أحكامه ودلائل كتابه وأن يجعل ذلك خالصا لوجهه . قوله تعالى عز وجل : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) قرئ : ( فتذكر إحداهما الأخرى ) بالتشديد ، وقرئ : ( فتذكر إحداهما الأخرى ) بالتخفيف . وقيل إن معناهما قد يكون واحدا ، يقال : ذكرته وذكرته ، وروي ذلك عن الربيع بن أنس والسدي والضحاك . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا أبو عبيد مؤمل الصيرفي قال : حدثنا أبو يعلى البصري قال : حدثنا الأصمعي عن أبي عمرو قال : من قرأ : ( فتذكر ) مخففة أراد : تجعل شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر ، ومن قرأ : ( فتذكر ) بالتشديد ، أراد من جهة التذكير ، وروي ذلك عن سفيان بن عيينة . قال أبو بكر : إذا كان محتملا للأمرين وجب حمل كل واحدة من القراءتين على معنى وفائدة مجددة ، فيكون قوله تعالى : ( فتذكر ) بالتخفيف تجعلهما جميعا بمنزلة رجل واحد في ضبط الشهادة وحفظها وإتقانها ، وقوله تعالى : ( فتذكر ) من التذكير عند النسيان ، واستعمال كل واحد منهما على موجب دلالتيهما أولى من الاقتصار بها على موجب دلالة أحدهما . ويدل على ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لعقول ذوي الألباب منهن ) قيل : يا رسول الله وما نقصان عقلهن ؟ قال : ( جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل ) فهذا موافق لمعنى من تأول : ( فتذكر إحداهما الأخرى ) على أنهما تصيران في ضبط الشهادة وحفظها بمنزلة رجل . وفي هذه الآية دلالة على أنه غير جائز لأحد إقامة شهادة وإن عرف خطه إلا أن يكون ذاكرا لها ، ألا ترى أن الله ذكر ذلك بعد الكتاب والإشهاد ثم قال تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) ؟ فلم يقتصر بنا على الكتاب والخط دون ذكر الشهادة ، وكذلك قوله تعالى : ( ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا ) فدل ذلك على أن الكتاب إنما أمر به لتستذكر به كيفية الشهادة ، وأنها لا تقام إلا بعد حفظها وإتقانها . وفيها الدلالة على أن الشاهد إذا قال : ليس عندي شهادة في هذا الحق ، ثم قال : عندي شهادة فيه : أنها مقبولة ، لقوله تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )
621
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 621