نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 606
شهيدين من رجالكم ) وقوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) والأعمى قد يكون مرضيا وهو من رجالنا الأحرار ، فظاهر ذلك يقتضي قبول شهادته . قيل له : ظاهر الآية يدل على أن الأعمى غير مقبول الشهادة ، لأنه قال : ( واستشهدوا ) والأعمى لا يصح استشهاده ، لأن الاستشهاد هو إحضار المشهود عليه ومعاينته إياه ، وهو غير معاين ولا مشاهد لمن يحضره ، لأن العمى حائل بينه وبين ذلك كحائط لو كان بينهما فيمنعه ذلك من مشاهدته . ولما كانت الشهادة إنما هي مأخوذة من مشاهدة المشهود عليه ومعاينته على الحال التي تقتضي الشهادة إثبات الحق عليه وكان ذلك معدوما في الأعمى ، وجب أن تبطل شهادته . فهذه الآية لأن تكون دليلا على بطلان شهادته أولى من أن تدل على إجازتها . وقال زفر : ( لا تجوز شهادة الأعمى إذا شهد بها قبل العمى أو بعده إلا في النسب أن يشهد أن فلانا ابن فلان ) . قال أبو بكر : يشبه أن يكون ذهب في ذلك إلى أن النسب قد تصح الشهادة عليه بالخبر المستفيض وإن لم يشاهده الشاهد ، فلذلك جائز إذا تواتر عند الأعمى الخبر بأن فلانا ابن فلان أن يشهد به عند الحاكم وتكون شهادته مقبولة . ويستدل على صحة ذلك بأن الأعمى والبصير سواء فيما ثبت حكمه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من طريق التواتر وإن لم يشاهد المخبرين من طريق المعاينة ، وإنما يسمع أخبارهم ، فكذلك جائز أن يثبت عنده علم صحة النسب من طريق التواتر وإن لم يشاهد المخبرين ، فتجوز إقامة الشهادة به وتكون شهادته مقبولة فيه ، إذ ليس شرط هذه الشهادة معاينة المشهود به . واختلف في شهادة البدوي على القروي ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والليث والأوزاعي والشافعي : ( هي جائزة إذا كان عدلا ) وروي نحوه عن الزهري . وروى ابن وهب عن مالك قال : ( لا تجوز شهادة بدوي على قروي إلا في الجراح ) . وقال ابن القاسم عنه : ( لا تجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر إلا في وصية القروي في السفر أو في بيع ، فتجوز إذا كانوا عدولا . قال أبو بكر : جميع ما ذكرنا من دلائل الآية على قبول شهادة الأحرار البالغين يوجب التسوية بين شهادة القروي والبدوي ، لأن الخطاب توجه إليهم بذكر الإيمان بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ) وهؤلاء من جملة المؤمنين ، ثم قال تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) يعني من رجال المؤمنين الأحرار ، وهذه صفة هؤلاء ، ثم قال : ( ممن ترضون من الشهداء ) وإذا كانوا عدولا فهم مرضيون وقال في آية أخرى في شأن الرجعة والفراق ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] وهذه الصفة
606
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 606