نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 597
إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم له التصرف على الشريطة التي ذكرها دلالة على أن الحجر غير واجب ، وأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم له بديا عن البيع وقوله : ( فقل لا خلابة ) على وجه النظر له والاحتياط لماله ، كما تقول لمن يريد التجارة في البحر أو في طريق مخوف : ( لا تغرر بمالك واحفظه ) وما جرى مجرى ذلك ، وليس هذا بحجر ، وإنما هو مشورة وحسن نظر . ومما يدل على بطلان الحجر أنهم لا يختلفون أن السفيه يجوز إقراره بما يوجب الحد والقصاص ، وذلك مما تسقطه الشبهة ، فوجب أن يكون إقراره بحقوق الآدميين التي لا تسقطها الشبهة أولى . فإن قال قائل : المريض جائز الإقرار بما يوجب الحد والقصاص ولا يجوز إقراره ولا هبته إذا كان عليه دين يحيط بماله ، فليس جواز الإقرار بالحد والقصاص أصلا للإقرار بالمال والتصرف فيه . قيل له : إن إقرار المريض عندنا بجميع ذلك جائز ، وإنما نبطله إذا اتصل بمرضه الموت ، لأن تصرفه مراعى معتبر بالموت ، فإذا مات صار تصرفه واقعا في حق الغير الذي هو أولى منه به وهم الغرماء والورثة ، فأما تصرفه في الحال فهو جائز ما لم يطرأ الموت ، ألا ترى أنا لا نفسخ هبته ولا نوجب السعاية على من أعتقه من عبيده حتى يحدث الموت ؟ فإقراره بالحد والقصاص والمال غير متفرقين في حال الحياة . ومما يحتج به مثبتو الحجر قوله تعالى : ( ولا تبذر تبذيرا ) [ الإسراء : 21 ] وقوله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) [ الإسراء : 29 ] الآية : فإذا كان التبذير مذموما منهيا عنه ، وجب على الإمام المنع منه ، وذلك بأن يحجر عليه ويمنعه التصرف في ماله ، وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال يقتضي منعه عن إضاعته بالحجر عليه . وهذا لا دلالة فيه على الحجر ، لأنا نقول : إن التبذير محظور وينهى فاعله عنه ، وليس في النهي عن التبذير ما يوجب الحجر ، لأنه إنما ينبغي أن يمنعه التبذير فإما أن يمنعه من التصرف في ماله ويبطل بياعاته وإقراره وسائر وجوه تصرفه فإن هذا الموضع هو الذي فيه الخلاف بيننا وبين خصومنا ، وليس في الآية ما يوجب المنع من شئ منه ، وذلك لأن الإقرار نفسه ليس من التبذير في شئ ، لأنه لو كان مبذرا لوجب منع سائر المقرين من إقرارهم . وكذلك البيع بالمحاباة لا تبذير فيه ، لأنه لو كان مبذرا لوجب أن ينهى عنه سائر الناس ، وكذلك الهبة والصدقة . وإذا كان كذلك فالذي تقتضيه الآية النهي عن التبذير وذم فاعله ، فكيف يجوز الاستدلال بها على الحجر في العقود التي لا تبذير فيها ؟ وقد يصح الاستدلال لمحمد لأنه يجيز من عقوده مالا محاباة فيه ولا إتلاف لماله ، إلا أن الذي في الآية إنما هو ذم المبذرين والنهي عن التبذير ، ومن ينفي الحجر يقول إن التبذير مذموم منهي عن فعله ، فأما الحجر ومنع التصرف فليس في الآية إيجابه ، ألا ترى أن الانسان
597
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 597