نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 590
إن الدين قد يحل ويبطل الأجل ويكون هو ذلك الدين ، وقد يسقط الأجل ويعجل الدين فيكون الذي عجل هو الدين الذي كان مؤجلا ، وإذا كان ذلك كذلك ثم قال تعالى : ( ولا يبخس منه شيئا ) يعني من الدين شيئا ، لم يتناول ذلك الأجل ولم يدل عليه . ومن جهة أخرى أن الأجل إنما يوجب نقصا فيه من طريق الحكم ، لأن المقبوض بعد الأجل وقبله إذا كان على صفة واحدة فقد علمت أنه لا تأثير له في نقصان المقبوض ، وإنما يقال إنه نقص فيه من طريق الحكم على المجاز لا على الحقيقة ، وقد تناولت الآية البخس الذي هو حقيقة وهو نقصان المقدار ، ونقصانه في نفسه من رداءة أو غبن أو غيرها ، نحو إقراره بالدرهم السود والحنطة الردية ، فإن ذلك كله بخس من جهة الحقيقة لاختلاف صفات المقبوض عنه ، فلم يجز أن يتناول بعض الأجل الذي ليس بحقيقة فيه بل هو مجاز ، لأن اللفظ متى أريد به الحقيقة انتفى دخول المجاز فيه . وفي هذه الآية دلالة على أن القول قول الطالب في الأجل ، لأنه ابتدأ الخطاب بقوله تعالى : ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) إلى قوله : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) اقتضى ذلك الإشهاد على المتداينين جميعا إذا كان المال مؤجلا ، فلو كان القول قول المطلوب في الأجل لما احتيج إلى الإشهاد به على الطالب ، وفي وجوب الإشهاد على الطالب بالتأجيل دلالة على أن القول قوله وأن المطلوب غير مصدق عليه ، إذ لو كان مصدقا فيه لما بقي للإشهاد على الطالب موضع ولا معنى . فإن قال قائل : إنما حكم الإشهاد مقصور على المطلوب دون الطالب . قيل له : هذا خلاف مقتضى الآية ، لأنه قال : ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ) ثم عطف عليه قوله تعالى : ( فاستشهدوا شهيدين من رجالكم ) فخاطب المتداينين جميعا وأمرهما بالاستشهاد ، فلو جاز لقائل أن يقول : إن المطلوب مخصوص به . لجاز لآخر أن يقول : هو مقصور على الطالب دون المطلوب ، فلما لم يصح ذلك وجب بظاهر الآية أن يكون الإشهاد عليهما جميعا وأن يكونا مندوبين إليه ، وإذا ثبت ذلك لم يكن للإشهاد على الطالب بالدين المؤجل حكم لأنه مقبول القول في نفيه ، دل ذلك على أن المرجع إلى قوله في الأجل ، وإنما جعل الله الإملاء إلى المطلوب إذا أحسن ذلك وإن كان لو أملى غيره وأقر المطلوب به جاز ، لأنه أثبت في الإقرار وأذكر للشهود متى أرادوا أن يتذكروا الشهادة ، وكان الإملاء سببا للاستذكار كما أمر باستشهاد امرأتين لتذكر إحداهما الأخرى ، والله تعالى أعلم . باب الحجر على السفيه قال الله تعالى : ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل
590
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 590