نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 569
لقوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) والبيع اسم للإيجاب والقبول ، وليست حقيقته وقوع الملك به للعاقد ، ألا ترى أن البيع المعقود على شرط خيار المتبايعين لم يوجب ملكا ؟ وهو بيع والوكيلان يتعاقدان البيع ولا يملكان . وقوله تعالى : ( وحرم الربا ) حكمه ما قدمناه من الاجمال والوقف على ورود البيان ، فمن الربا ما هو بيع ، ومنه ما ليس ببيع وهو ربا أهل الجاهلية وهو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة مال على المستقرض . وفي سياق الآية ما أوجب تخصيص ما هو ربا من البياعات من عموم قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) . وظن الشافعي أن لفظ الربا لما كان مجملا أنه يوجب إجمال لفظ البيع ، وليس كذلك عندنا لأن مالا يسمى ربا من البياعات فحكم العموم جار فيه ، وإنما يجب الوقوف فيما شككنا أنه ربا أو ليس بربا ، فأما ما تيقنا أنه ليس بربا فغير جائز الاعتراض عليه بآية تحريم الربا ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه . وأما قوله تعالى : ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) حكاية عن المعتقدين لإباحته من الكفار ، فزعموا أنه لا فرق بين الزيادة المأخوذة على وجه الربا وبين سائر الأرباح المكتسبة بضروب البياعات ، وجهلوا ما وضع الله أمر الشريعة عليه من مصالح الدين والدنيا ، فذمهم الله على جهلهم وأخبر عن حالهم يوم القيامة وما يحل بهم من عقابه . قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) يحتج به في جواز بيع ما لم يره المشتري ، ويحتج فيمن اشترى حنطة بحنطة بعينها متساوية أنه لا يبطل بالافتراق قبل القبض ، وذلك لأنه معلوم من ورود اللفظ لزوم أحكام البيع وحقوقه من القبض والتصرف والملك وما جرى مجرى ذلك فاقتضى ذلك بقاء هذه الأحكام مع ترك التقايض ، وهو كقوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) [ النساء : 23 ] المراد تحريم الاستمتاع بهن . ويحتج أيضا لذلك بقوله تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [ النساء : 29 ] من وجهين ، أحدهما : ما اقتضاه من إباحة الأكل قبل الافتراق وبعده من غير قبض ، والآخر : إباحة أكله لمشتريه قبل قبض الآخر بعد الفرقة . وأما قوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ) فالمعنى فيه أن من انزجر بعد النهي فله ما سلف من المقبوض قبل نزول تحريم الربا ، ولم يرد به ما لم يقبض ، لأنه قد ذكر في نسق التلاوة حظر ما لم يقبض منه وإبطاله بقوله
569
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 569