نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 512
الحد بالتعريض أنه لما حظر عليه المخاطبة بعقد النكاح صريحا وأبيح له التعريض به ، اختلف حكم التعريض والتصريح في ذلك ، على أن التعريض بالقذف مخالف لحكم التصريح وغير جائز التسوية بينهما كما خالف الله بين حكمهما في خطبة النكاح ، وذلك لأنه معلوم أن الحدود مما يسقط بالشبهة ، فهي في حكم السقوط ، والنفي آكد من النكاح ، فإذا لم يكن التعريض في النكاح كالتصريح وهو آكد في باب الثبوت من الحد ، كان الحد أولى أن لا يثبت بالتعريض من حيث دل على أنه لو خطبها بعد انقضاء العدة بالتعريض لم يقع بينهما عقد النكاح فكان تعريضه بالعقد مخالفا للتصريح ، فالحد أولى أن لا يثبت بالتعريض . وكذلك لم يختلفوا أن الإقرار في العقود كلها لا يثبت بالتعريض ويثبت بالتصريح ، لأن الله فرق بينهما في النكاح ، فكان الحد أولى أن لا يثبت به . وهذه الدلالة واضحة على الفرق بينهما في سائر ما يتعلق حكمه بالقول ، وهي كافية مغنية في جهة الدلالة على ما وصفنا ، وإن أرادنا رده إليه من جهة القياس لعلة تجمعهما كان سائغا ، وذلك أن النكاح حكمه متعلق بالقول كالقذف ، فلما اختلف حكم التصريح والتعريض بالخطبة بهذا المعنى ثبت حكمه بالتعريض ، وإن كان حكمه ثابتا بالإفصاح والتصريح كما حكم الله به في النكاح . وأما قوله ( إن التعريض بالقذف ينبغي أن يكون بمنزلة التصريح لأنه قد عرف مراده كما عرف بالتصريح ) فإني أظنه نسي عند هذا القول حكم الله تعالى في الفصل بين التعريض والتصريح بالخطبة ، إذ كان المراد مفهوما مع الفرق بينهما ، لأنه إن كان الحكم متعلقا بمفهوم المراد فلذلك بعينه موجود في الخطبة فينبغي أن يستوي حكمهما فيها ، فإذا كان نص التنزيل قد فرق بينهما فقد انتقض هذا الإلزام وصح الاستدلال به على ما وصفنا . وأما قوله : ( إن من أزال الحد عن المعرض بالقذف فإنما أزاله لأنه لم يعلم بتعريضه أنه أراد القذف لاحتمال كلامه لغيره ) فإنها وكالة لم تثبت عن الخصم وقضاء على غائب بغير بينة ، وذلك لأن أحدا لا يقول بأن حد القذف متعلق بإرادته ، وإنما يتعلق عند خصومه بالإفصاح به دون غيره ، فالذي يحيل به خصمه من أنه أزال الحد لأنه لم يعلم مراده ، لا يقبلونه ولا يعتمدونه . وأما إلزامه خصمه أن يبيح التعريض بالقذف كما يبيح التعريض بالنكاح ، فإنه كلام رجل غير مثبت فيما يقوله ولا ناظر في عاقبة ما يؤول إليه حكم إلزامه له ، فنقول : إن خصمه الذي احتج به لم يجعل ما ذكره علة للإباحة حتى يلزم عليه إباحة التعريض بالقذف ، وإنما استدل بالآية على إيجاب الفرق بين التعريض والتصريح ، فأما الحظر والإباحة موقوفان على دلالتهما من غير هذا الوجه .
512
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 512