نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 494
قوله : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، فإنما جعل عليها الرضاع بحذاء ما أوجب لها من النفقة والكسوة فكيف يجوز إلزامها ذلك بغير بدل ! ومعلوم أن لزوم النفقة للأب بدلا من الرضاع يوجب أن تكون تلك المنافع في الحكم حاصلة للأب ملكا باستحقاق البدل عليه ، فاستحال إيجابها على الأم ، وقد أوجبها الله تعالى على الأب بإلزامها بدل من النفقة والكسوة . والثاني : قوله ( يرضعن أولادهن ) ليس فيه إيجاب الرضاع عليها ، وإنما جعل به الرضاع حقا لها ، لأنه لا خلاف أنها لا تجبر على الرضاع إذا أبت وكان الأب حيا ، وقد نص الله على ذلك في قوله : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) [ الطلاق : 6 ] فلا يصح الاستدلال بالآية على إيجاب الرضاع عليها في حال فقد الأب ، وهو لم يقتض إيجابه عليها في حال حياته ، وهو المنصوص عليه في الآية . ثم زعم أنه إن انقطع لبنها بمرض أو غيره فلا شئ عليها ، وإن أمكنها أن تسترضع . وهذا أيضا منتقض ، لأنها إن كانت منافع الرضاع مستحقة عليها للولد في حال فقد الأب ، فواجب أن يكون ذلك عليها في مالها إذا تعذر عليها الرضاع ، كما وجب على الأب استرضاعه . وإن لم تكن منافع الرضاع مستحقة عليها في مالها ، فغير جائز إلزامها الرضاع ، وما الفرق بين لزومها منافع الرضاع وبين لزوم ذلك في مالها إذا تعذر عليها ؟ ثم ناقض فيه من وجه آخر ، وهو أنه لم يلزمها نفقته بعد انقضاء الرضاع ، ويفرق بين الرضاع وبين النفقة بعد الرضاع ، وقال وهما جميعا من نفقة الصغير ، فمن أين أوجب الفرق بينهما ؟ ولو جازت الفرقة من هذا الوجه لجاز مثله في الأب ، حتى يقال : إن الذي يلزمه إنما هو نفقة الرضاع ، فإذا انقضت مدة الرضاع فلا نفقة عليه للصغير ، لأن الله تعالى إنما أوجب عليه نفقتها وكسوتها للرضاع . ثم زعم أنه إذا أمكنها أن تسترضع وخافت عليه الموت ، فعليها أن تسترضع على الوجه الذي يلزمها ذلك لو خافت عليه الموت ، فإن كان ذلك على هذا المعنى فكيف خصها بإلزامها ذلك دون جيرانها ودون سائر الناس ؟ وهذا كله تخليط وتشبه غير مقرون بدلالة ولا مستند إلى شبهة . وقد حكي مثل ذلك عن مالك أنه لا يوجب النفقة إلا على الأب للابن وعلى الابن للأب ، ولا يوجبها للجد على ابن الابن . وهو قول خارج عن أقاويل السلف والخلف جميعا لا نعلم عليه موافقا ، ومع ذلك فإن ظاهر الكتاب يرده ، وهو قوله تعالى : ( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) [ لقمان : 14 ] إلى قوله ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [ لقمان : 15 ] والجد داخل في هذه الجملة ، لأنه أب ، قال الله تعالى : ( ملة أبيكم إبراهيم ) [ الحج : 78 ] وهو مأمور بمصاحبته بالمعروف لا خلاف في ذلك ، وليس من الصحبة بالمعروف تركه جائعا مع القدرة على سد جوعته . ويدل عليه أيضا قوله : ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت
494
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 494