نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 490
قال أبو بكر : فمعناه لا تضار والدة بولدها بأن لا تعطى إذا رضيت بأن ترضعه بمثل ما ترضعه به الأجنبية ، بل تكون هي أولى على ما تقدم في أول الآية من قوله : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) فجعل الأم أحق برضاع الولد هذه المدة ، ثم أكد ذلك بقوله تعالى : ( لا تضار والدة بولدها ) يعني والله أعلم أنها إذا رضيت بأن ترضع بمثل ما ترضع به غيرها ، لم يكن للأب أن يضارها فيدفعه إلى غيرها ، وهو كما قال في آية أخرى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) [ الطلاق : 6 ] فجعلها أولى بالرضاع ، ثم قال : ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) [ الطلاق : 6 ] فلم يسقط حقها من الرضاع إلا عند التعاسر . ويحتمل أن يريد به أنها لا تضار بولدها إذا لم تختر أن ترضعه بأن ينتزع منها ، ولكنه يؤمر الزوج بأن يحضر الظئر إلى عندها حتى ترضعه في بيتها ، وكذلك قول أصحابنا . ولما كانت الآية محتملة للمضارة في نزع الولد منها واسترضاع غيرها ، وجب حمله على المعنيين ، فيكون الزوج ممنوعا من استرضاع غيرها إذا رضيت هي بأن ترضعه بأجرة مثلها وهي الرزق والكسوة بالمعروف ، وإن لم ترضع أجبر الزوج على إحضار المرضعة حتى ترضعه في بيتها حتى لا يكون مضارا لها بولدها . وفي هذا دلالة على أن الأم أحق بإمساك الولد ما دام صغيرا وإن استغنى عن الرضاع بعد ما يكون ممن يحتاج إلى الحضانة ، لأن حاجته إلى الأم بعد الرضاع كهي قبله ، فإذا كانت في حال الرضاع أحق به ، وإن كانت المرضعة غيرها علمنا في كونه عند الأم حقا لها وفيه حق للولد أيضا وهو أن الأم أرفق به وأحنى عليه . وذلك في الغلام عندنا إلا أن يأكل وحده ويشرب وحده ويتوضأ وحده ، وفي الجارية حتى تحيض ، لأن الغلام إذا بلغ الحد الذي يحتاج فيه إلى التأديب ويعقله ففي كونه عند الأم دون الأب ضرر عليه ، والأب مع ذلك أقوم بتأديبه ، وهي الحال التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) . فمن كان سنه سبعا فهو مأمور بالصلاة على وجه التعليم والتأديب ، لأنه يعقلها ، فكذلك سائر الأدب الذي يحتاج إلى تعلمه . وفي كونه عندها في هذه الحال ضرر عليه ، ولا ولاية لأحد على الصغير فيما يكون فيه ضرر عليه . وأما الجارية فلا ضرر عليها في كونها عند الأم إلى أن تحيض ، بل كونها عندها أنفع لها ، لأنها تحتاج إلى آداب النساء ، ولا تزول هذه الولاية عنها ، إلا بالبلوغ لأنها تستحقها عليها بالولادة ، ولا ضرر عليها في كونها عندها ، فلذلك كانت أولى إلى وقت البلوغ ، فإذا بلغت احتاجت إلى التحصين والأب أقوم بتحصينها ، فلذلك كان أولى بها .
490
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 490