نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 396
يقع عليها ولا يتناولها ، لأن الجميع متفقون على ذم شارب الخمر وأن جميعها محرم محظور ، والثاني : أن النبيذ غير محرم ، لأنه لو كان محرما لعرفوا تحريمها كمعرفتهم بتحريم الخمر ، إذ كانت الحاجة إلى معرفة تحريمها أمس منها إلى معرفة تحريم الخمر لعموم بلواهم بها دونها ، وما عمت البلوى من الأحكام فسبيل وروده نقل التواتر الموجب للعلم والعمل ، وفي ذلك دليل على أن تحريم الخمر لم يعقل به تحريم هذه الأشربة ولا عقل الخمر اسما لها . واحتج من زعم أن سائر الأشربة التي يسكر كثير ها خمر بما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل مسكر خمر ) وبما روي عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الخمر من خمسة أشياء : التمر والعنب والحنطة والشعير والعسل ) ، وروي عن عمر من قوله نحوه . وبما روي عن عمر : ( الخمر ما خامر العقل ) ، وبما روي عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل مخمر خمر وكل مسكر حرام ) ، وبما روي عن أنس قال : ( كنت ساقي القوم حيث حرمت الخمر في منزل أبي طلحة وما كان خمرنا يومئذ إلا الفضيح ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الأواني وكسروها ) . وقالوا : فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشربة خمرا ، وكذلك عمر وأنس ، وعقلت الأنصار من تحريم الخمر تحريم الفضيح - وهو نقيع البسر - ولذلك أراقوها وكسروا الأواني ، ولا تخلو هذه التسمية من أن تكون واقعة على هذه الأشربة من جهة اللغة أو الشرع ، وأيهما كان فحجته ثابتة والتسمية صحيحة ، فثبت بذلك أن ما أسكر من الأشربة كثيره فهو خمر وهو محرم بتحريم الله إياها من طريق اللفظ . والجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الأسماء على ضربين : ضرب سمي به الشئ حقيقة لنفسه وعبارة عن معناه ، والضرب الآخر ما سمي به الشئ مجازا ، فأما الضرب الأول فواجب استعماله حيث ما وجد ، وأما الضرب الآخر فإنما يجب استعماله عند قيام الدلالة عليه ، نظير الضرب الأول قوله تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) [ النساء : 26 و 27 ] فأطلق لفظ الإرادة في هذه المواضع حقيقة . ونظير الضرب الثاني قوله : ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقص ) [ الكهف : 77 ] فإطلاق لفظ الإرادة في هذا الموضع مجاز لا حقيقة ، ونحو قوله : ( إنما الخمر والميسر ) [ المائدة : 90 ] فاسم الخمر في هذا الموضع حقيقة فيما أطلق فيه . وقال في موضع آخر : ( إني أراني أعصر خمرا ) [ يوسف : 36 ] فأطلق اسم الخمر في هذا الموضع مجازا ، لأنه إنما يعصر العنب لا الخمر . ونحو قوله : ( ربنا أخرجنا من هذه
396
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 396