نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 377
على قوله : ( فإذا أفضتم من عرفات ) لكان جائزا أن يظن ظان أنه خطاب لمن كان يقف بها دون من لم يكن يرى الوقوف بها ، فيكون التاركون للوقوف على جملة أمرهم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات ، فأبطل ظن الظان لذلك بقوله : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) . واتفقت الأمة مع ذلك على أن تارك الوقوف بعرفة لا حج له ، ونقلته عن النبي عليه السلام قولا وعملا . وروى بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف الحج ؟ قال : ( الحج يوم عرفة ، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الصبح أو يوم جمع فقد تم حجه ) . وروى الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بالمزدلفة : ( من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ) . وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وجابر : ( إذا وقف قبل طلوع الفجر فقد تم حجه ) والفقهاء مجمعون على ذلك . وقد اختلف الفقهاء فيمن لم يقف بعرفة ليلا ، فقال سائرهم : إذا وقف نهارا فقد تم حجه ، وإن دفع منها قبل غروب الشمس فعليه دم عند أصحابنا إن لم يرجع قبل الإمام ، وقال مالك بن أنس : ( إن لم يرجع حتى طلع الفجر بطل حجه ) وأصحابه يزعمون أنه قال ذلك لأن مذهبه أن فرض الوقوف بالليل دون النهار ، وأن الوقوف نهارا غير مفروض ، إنما هو مسنون . وروي عن ابن الزبير أن من دفع من عرفات قبل غروب الشمس فسد حجه . والدليل على صحة القول الأول قوله عليه السلام في حديث عروة بن مضرس : ( وأفاض من عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ) فحكم بصحة حجه وإتمامه بوقوفه في أحد الوقتين من ليل أو نهار . ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) و ( حيث ) اسم للموضع ، وهو عرفات ، فكان بمنزلة قوله : ( أفيضوا من عرفات ) ولم يخصصه بليل ولا نهار ، وليس فيه ذكر للوقت ، فاقتضى ذلك جوازه في أي وقت وقف فيه . ويدل عليه من جهة النظر أنا وجدنا سائر المناسك ابتداؤها بالنهار ، وإنما يدخل فيه الليل تبعا ، ولم نجد شيئا منها يختص بالليل حتى لا يصح فعله في غيره . فقول من جعل فرض الوقوف بالليل خارج عن الأصول ، ألا ترى أن طواف الزيارة والوقوف بالمزدلفة والرمي والذبح والحلق كل ذلك مفعول بالنهار ؟ وإنما يفعل بالليل على أنه يؤخر عن وقته على وجه التبع للنهار ، فوجب أن يكون ذلك حكم الوقوف بعرفة . وأيضا قد نقلت الأمة وقوف النبي عليه السلام نهارا إلى يومنا هذا ، وأنه دفع منها عند سقوط الفرض ، وهذا يدل على أن وقت الوقوف هو النهار ووقت
377
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 377