نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 370
فإن قيل : لما اتفق الجميع على أن من فاته الحج لا يجوز أن يفعل بإحرامه ذلك حجا في القابل وكان عليه أن يتحلل بعمل عمرة ، دل ذلك على أن الإحرام بالحج في غير أشهر الحج يوجب عمرة وأنه غير جائز أن يفعل به حجا . قيل له : فقد جاز أن يبقى إحرامه كاملا بعد أشهر الحج وهو يوم النحر قبل رمي الجمار ، حتى زعم الشافعي أنه إن جامع يوم النحر قبل رمي الجمار فسد حجه . وقد ذكرنا فيما سلف وجه الاستدلال من ذلك على جواز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، إذ لم يكن يوم النحر عنده من أشهر الحج وقد جاز بقاء إحرامه بكماله فيه ، فدل على معنيين ، أحدهما : سقوط سؤال السائل لنا واعتراضه بما ذكره ، إذ قد جاز وجود إحرام صحيح بالحج قبل أشهر الحج . والمعنى الثاني : أنه دل على جواز ابتداء إحرام الحج قبل أشهر الحج ، إذ قد جاز بقاؤه فيه على ما بيناه فيما سلف . وأما قول الشافعي في أن المحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بعمرة ، فإنه قول ظاهر الاختلال والفساد ، لأنه لا يخلو من أن يلزمه إحرام الحج على ما عقده على نفسه أو لا يلزمه ، فإن لم يلزمه كان كمن لم يحرم وبمنزلة من أحرم بالظهر قبل دخول وقتها فلا يلزمه شئ ولا يكون داخلا فيها ولا في غيرها ، وإن يلزمه الحج فقد جاز أداء الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، وإذا صح إحرامه وأمكنه المضي فيه لم يجز له أن يتحلل منه بعمرة . فإن قيل : هو بمنزلة من فاته الحج فيلزمه أن يتحلل بعمرة . قيل له : ليس ذلك بعمرة وإنما هو عمل عمرة يتحلل به من إحرام الحج ، ألا ترى أن من فاته الحج وهو بمكة أنه غير مأمور بالخروج منها إلى الحل لأجل ما لزمه من عمل العمرة ؟ إذ كان وقت العمرة لمن كان بمكة الحل ، ولو أراد أن يبتدئ عمرة لأمر بالخروج إلى الحل ، فدل ذلك على أن ما يفعله بعد الفوت ليس بعمرة وإنما هو عمل عمرة يتحلل به من إحرام الحج وإحرام الحج باق مع الفوات . وأيضا فالذي فاته قد لزمه إحرام الحج ، وإنما احتاج إلى الإحلال منه بعمل عمرة . فهل يقول الشافعي أن المحرم بالحج قبل أشهر الحج قد لزمه الحج ويتحلل منه بعمل عمرة ويوجب عليه قضاء الحج ؟ فإذا لم يكن عنده محرما بالحج فقد لزمه في ذلك شيئان . أحدهما : أنه لزمه عمرة لم يعقدها على نفسه ولم ينوها ، والثاني : أنه جعله بمنزلة الذي يفوته الحج بعد الإحرام ، وهذا لم يحرم قط به ، فألزمه عمرة لا سبب لها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى ) فإذا أحرم ونوى الحج فواجب أن يلزمه ما نوى بقضية قوله عليه السلام ( وإنما امرئ ما نوى ) .
370
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 370