نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 323
فأما حديث جابر في وجوب العمرة من طريق ابن لهيعة فهو ضعيف كثير الخطأ ، يقال احترقت كتبه فعول على حفظه وكان سيئ الحفظ ، وإسناد حديث جابر الذي رويناه في عدم وجوبها أحسن من إسناد حديث ابن لهيعة ، ولو تساويا لكان أكبر أحوالهما أن يتعارضا فيسقطا جميعا ويبقى لنا حديث طلحة وابن عباس من غير معارض . فإن قال قائل : ليس حديث الحجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر الذي رويته في نفي الإيجاب بمعارض لحديث ابن لهيعة عن عطاء عن جابر في إيجابها ، لأن حديث الحجاج وارد على الأصل وحديث ابن لهيعة ناقل عنه ، ومتى ورد خبر أن أحدهما ناف والآخر مثبت فالمثبت منهما أولى ، وكذلك إذا كان أحدهما موجبا والآخر غير موجب ، لأن الإيجاب يقتضي حظر تركه ونفيه لا حظر فيه وخبر الحاضر أولى من المبيح . قيل له : هذا لا يجب من قبل أن حديث ابن لهيعة في إيجابها لو كان ثابتا لورد النقل به مستفيضا لعموم الحاجة إليه ولوجب أن يعرفه كل من عرف وجوب الحج ، إذ كان وجوبها كوجوب الحج ومن خوطب به فهو مخاطب بها ، فغير جائز فيما كان هذا وصفه أن يكون وروده من طريق الآحاد مع ما في سنده من الضعف ومعارضة غيره إياه . وأيضا فمعلوم أن الروايتين وردتا عن رجل واحد ، فلو كان خبر الوجوب متأخرا في التاريخ عن خبر نفيه لبينه جابر في حديثه ، ولقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة إنها تطوع ثم قال بعد ذلك إنها واجبة ، إذ غير جائز أن يكون عنده الخبران جميعا مع علمه بتأريخهما فيطلق رواية تارة بإيجاب وتارة بضده من غير ذكر تاريخ ، فدل ذلك على أن هذين الخبرين وردا متعارضين ، وإنما يعتبر خبر المثبت والنافي على ما ذكرنا من الاعتبار إذا وردت الروايتان من جهتين . وأما حديث سمرة وقوله ( فاعتمروا ) فإنه على الندب بالدلائل التي قدمنا . فأما قوله حين سئل عن الاسلام فذكر الصلاة وغيرها ثم قال : ( وأن تحج وتعتمر ) فإن النوافل من الاسلام ، وكذلك كل ما يتقرب به إلى الله تعالى ، لأنه من شرائعه ، وقد روي أن الاسلام بضع وسبعون خصلة منها إماطة الأذى عن الطريق . وأما قول صبي بن معبد لعمر : ( وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي ) وسكوت عمر عنه وتركه النكير عليه ، فإنه إنما قال هما مكتوبان علي ولم يقل مكتوبتان على الناس ، فظاهره يقتضى أن يكون نذرهما فصارا مكتوبين عليه بالنذر . وأيضا فإنه إنما قاله تأويل منه للآية ، وفيه مساغ للتأويل ، فلم ينكره عمر لاحتمالها له ، وهو بمنزلة قول القائل بوجوب العمرة فلا يستحقون النكير إذ كان الاجتهاد سائغا فيه . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن الحج عن أبيه وقوله : ( حج عن أبيك واعتمر ) فلا دلالة فيه على وجوبها ، لأنه لا خلاف أن هذا القول لم يخرج مخرج الإيجاب إذ ليس عليه أن يحج عن أبيه ولا أن يعتمر .
323
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 323