نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 32
وفي هذه الآية دلالة على توحيد الله تعالى ، وإثبات الصانع الذي لا يشبهه شئ ، القادر الذي لا يعجزه شئ ، وهو ارتفاع السماء ووقوفها بغير عمد ، ثم دوامها على طول الدهر غير متزايلة في ولا متغير ، كما قال تعالى : ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا [ الأنبياء : 32 ] وكذلك ثبات الأرض ووقوفها على غير سند فيه أعظم الدلالة على التوحيد وعلى قدرة خالقها ، وأنه لا يعجزه شئ ، وفيها تنبيه وحث على الاستدلال بها على الله وتذكير بالنعمة . وقوله تعالى : ( فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ) نظير قوله : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) وقوله : ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) [ الجاثية : 13 ] وقوله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) [ الأعراف : 32 ] يحتج بجميع ذلك في أن الأشياء على الإباحة مما لا يحظره العقل ، فلا يحرم منه شئ إلا ما قام دليله . وقوله تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) فيه أكبر دلالة على صحة نبوة نبينا عليه السلام من وجوه : أحدها أنه تحداهم بالإتيان بمثله ، وقرعهم بالعجز عنه مع ما هم عليه من الأنفة والحمية ، وأنه كلام موصوف بلغتهم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم تعلم اللغة العربية ، وعنهم أخذ ، فلم يعارضه منهم خطيب ، ولا تكلفه شاعر ، مع بذلهم الأموال والأنفس في توهين أمره ، وإبطال حججه ، وكانت معارضته لو قدروا عليها أبلغ الأشياء في إبطال دعواه وتفريق أصحابه عنه ، فلما ظهر عجزهم عن معارضته دل ذلك على أنه من عند الله الذي لا يعجز شئ ، وأنه ليس في مقدور العباد مثله ، وإنما أكبر ما اعتذروا به أنه من أساطير الأولين ، وأنه سحر ، فقال تعالى : ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) [ الطور : 34 ] وقال : ( فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) [ هود : 13 ] فتحداهم بالنظم دون المعنى في هذه الصورة ، وأظهر عجزهم عنه فكانت هذه معجزة باقية لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قيام الساعة ، أبان الله تعالى بها نبوة نبيه وفضله بها على سائر الأنبياء ، لأن سائر معجزات الأنبياء تقضت بانقضائهم ، وإنما يعلم كونها معجزة من طريق الإخبار ، وهذه معجزة باقية بعده ، كل من اعترض عليها بعده قرعناه بالعجز عنه ،
32
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 32