نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 316
فإن الله يغفر لهم ، لأن قوله ( فان انتهوا ) شرط يقتضي جوابا . وهذا يدل على أن قاتل العمد له توبة ، إذ كان الكفر أعظم مأثما من القتل ، وقد أخبر الله أنه يقبل التوبة منه ويغفر له . وقوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) يوجب فرض قتال الكفار حتى يتركوا الكفر ، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع بن أنس : ( الفتنة ههنا الشرك ) . وقيل : إنما سمي الكفر فتنة لأنه يؤدي إلى الهلاك كما تؤدي إليه الفتنة . وقيل : إن الفتنة هي الاختبار ، والكفر عند الاختبار إظهار الفساد ، وأما الدين فهو الانقياد لله بالطاعة ، وأصله في اللغة ينقسم إلى معنيين ، أحدهما : الانقياد ، كقول الأعشى : هو دان الرباب إذ كر هو الدين * دراكا بغزوة وصيال ثم دانت بعد الرباب وكانت * كعذاب عقوبة الأقوال والآخر : العادة ، من قول الشاعر : تقول وقد درأت لها وضيني * تعالى أهذا دينه أبدا وديني والدين الشرعي هو الانقياد لله عز وجل والاستسلام له على وجه المداومة والعادة وهذه الآية خاصة في المشركين دون أهل الكتاب ، لأن ابتداء الخطاب جرى بذكرهم في قوله عز وجل : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) وذلك صفة مشركي أهل مكة الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم ، وهذا يدل على أن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الاسلام أو السيف ، لقوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) يعني كفرا ( ويكون الدين لله ) ودين الله هو الاسلام ، لقوله : ( إن الدين عند الله الاسلام ) [ آل عمران : 19 ] . وقوله ( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) المعنى : فلا قتل إلا على الظالمين . يعني والله أعلم : القتل المبدوء بذكره في قوله ( وقاتلوهم ) وسمى القتل الذي يستحقونه بكفرهم عدوانا لأنه جزاء الظلم فسمي باسمه ، كقوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى : 40 ] وقوله : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وإن لم يكن الجزاء اعتداء ولا سيئة . قوله تعالى : ( الشهر عمر بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) روي عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام قال ( نعم ) . وأراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله تعالى ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) يعني إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم
316
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 316