نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 314
وقوله : ( والفتنة أشد من القتل ) روي عن جماعة من السلف أن المراد بالفتنة ههنا الكفر ، وقيل إنهم كانوا يفتنون المؤمنين بالتعذيب ويكرهونهم على الكفر ، ثم عيروا المؤمنين بأن قتل واقد بن عبد الله - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - عمرو بن الحضرمي - وكان مشركا - في الشهر الحرام ، وقالوا : قد استحل محمد القتال في الشهر الحرام ، فأنزل الله ( والفتنة أشد من القتل ) يعني كفرهم وتعذيبهم المؤمنين في البلد الحرام وفي الشهر الحرام أشد وأعظم مأثما من القتل في الشهر الحرام . وأما قوله : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ) فإن المراد بقوله : ( حتى يقاتلوكم فيه ) حتى يقتلوا بعضكم كقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) [ الحجرات : 11 ] يعني بعضكم بعضا ، إذ غير جائز أن يأمر بقتلهم بعد أن يقتلوهم كلهم . وقد أفادت الآية حظر القتل بمكة لمن لم يقتل فيها ، فيحتج بها في حظر قتل المشرك الحربي إذا لجأ إليها ولم يقاتل . ويحتج أيضا بعمومها فيمن قتل ولجأ إلى الحرم في أنه لا يقتل ، لأن الآية لم تفرق بين من قتل وبين من لم يقتل في حظر قتل الجميع ، فلزم بمضمون الآية أن لا نقتل من وجدنا في الحرم سواء كان قاتلا أو غير قاتل إلا أن يكون قد قتل في الحرم ، فحينئذ يقتل بقوله : ( فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) . فإن قيل : هو منسوخ بقوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) قيل له : إذا أمكن استعمالهما لم يثبت النسخ ، لا سيما مع اختلاف الناس في نسخه ، فيكون قوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) في غير الحرم . ونظيره في حظر قتل من لجأ إلى الحرم وإن كان جانيا ، قوله : ( ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] وقد تضمن ذلك أمنا من خوف القتل ، فدل على أن المراد : من دخله وقد استحق القتل أنه يأمن بدخوله . وكذلك قوله : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) [ البقرة : 125 ] كل ذلك دال على أن اللاجئ إلى الحرم المستحق للقتل يأمن به ويزول عنه القتل بمصيره إليه . ومع ذلك فإن قوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) إذا كان نازلا مع أول الخطاب عند قوله : ( ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام ) فغير جائز أن يكون ناسخا له ، لأن النسخ لا يصح إلا بعد التمكن من الفعل ، وغير جائز وجود الناسخ والمنسوخ في خطاب واحد . وإذا كان الجميع مذكورا في خطاب واحد على ما يقتضيه نسق التلاوة ونظام التنزيل ، فغير جائز لأحد إثبات تاريخ الآيتين وتراخي نزول إحداهما عن الأخرى إلا بالنقل الصحيح ، ولا يمكن أحد دعوى نقل صحيح في ذلك ، وإنما روي ذلك عن الربيع بن أنس فقال : هو منسوخ بقوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) وقال قتادة : هو منسوخ بقوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] وجائز أن يكون ذلك
314
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 314