نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 307
في أن العقود وفسخها متى حكم بها الحاكم مما لو ابتدأ أيضا بحكم الحاكم وقع . ويدل على ذلك أيضا أن الحاكم مأمور بإمضاء الحكم عند شهادة الشهود الذين ظاهرهم العدالة ، ولو توقف عن إمضاء الحكم بما شهد به الشهود من عقد أو فسخ عقد لكان آثما تاركا لحكم الله تعالى ، لأنه إنما كلف الظاهر ولم يكلف علم الباطن المغيب عند الله تعالى . وإذا مضى الحكم بالعقد صار ذلك كعقد مبتدأ بينهما ، وكذلك إذا حكم بالفسخ صار كفسخ فيما بينهما ، وإنما نفذ العقد والفسخ إذا تراضى المتعاقدان بحكم الله عز وجل بذلك ، وكذلك حكم الحاكم . فإن قيل فلو حكم بشهادة عبيد لم ينفذ حكمه إذا تبين مع كونه مأمورا بإمضاء الحكم به . قيل له : إنما لم ينفذ حكمه من قبل أن الرق معنى يصح ثبوته من طريق الحكم ، وكذلك الشرك والحد في القذف ، فجاز فسخ حكم الحاكم به بعد وقوعه ، ألا ترى أنه يصح قيام البينة به والخصومة فيه عند الحاكم ؟ فلذلك جاز أن لا ينفذ حكم الحاكم بشهادة هؤلاء ، لوجود ما ذكرنا من المعاني التي يصح إثباتها من طريق الحكم . وأما الفسق وجرح الشهادة من قبل أنهم شهود زور ، فليس هو معنى يصح إثباته من طريق الحكم ولا تقبل فيه الخصومة ، فلم ينفسخ ما أمضاه الحاكم . فإن ألزمنا على العقد وفسخه الحكم بملك مطلق ولم نبح له أخذه لم يلزمنا ذلك ، لأن الحاكم عندنا إنما يحكم له بالتسليم لا بالملك ، لأنه لو حكم له بالملك لاحتيج إلى ذكر جهة الملك في شهادة الشهود ، فلما اتفق الجميع على أنه تقبل شهادة الشهود من غير ذكر جهة الملك دل ذلك على أن المحكوم به هو التسليم ، والحكم بالتسليم ليس بسبب لنقل الملك ، فلذلك كان الشئ باقيا على ملك مالكه . وقوله : ( لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) يدل على أن ذلك فيمن علم أنه أخذ ما ليس له ، فأما من لم يعلم فجائز له أن يأخذه بحكم الحاكم له بالمال إذا قامت بينة ، وهذا يدل على أن البينة إذا قامت بأن لأبيه الميت على هذا ألف درهم أو أن هذه الدار تركها الميت ميراثا ، أنه جائز للوارث أن يدعي ذلك ويأخذه بحكم الحاكم له به وإن لم يعلم صحة ذلك ، إذ هو غير عالم بأنه مبطل فيما يأخذه ، والله تعالى إنما ذم العالم به إذا أخذه بقوله : ( لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) . ومما يدل على نفاذ حكم الحاكم بما وصفنا من العقود وفسخها ، اتفاق الجميع على أن ما اختلف فيه الفقهاء إذا حكم الحاكم بأحد وجوه الاختلاف نفذ حكمه وقطع ما أمضاه تسويغ الاجتهاد في رده ، ووسع المحكوم له أخذه ولم يسع المحكوم عليه منعه .
307
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 307