نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 285
عذر كسائر ما أوجبه الله عليه من صيام أو صلاة أو غيرهما كالنذور . ونظير هذه الآية في إيجاب القرب فالدخول فيها قوله تعالى : ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ) [ الحديد : 27 ] والابتداع قد يكون بالفعل وقد يكون بالقول . ثم ذم تاركي رعايتها بعد الابتداع ، فدل ذلك على أن من يبتدع قربة بالدخول فيها أو بإيجابها بالقول أن عليه إتمامها ، لأنه متى قطعها قبل إتمامها فلم يرعها حق رعايتها - والذم لا يستحق إلا بترك الواجبات - فدل ذلك على أن لزومها بالدخول كهو بالنذر والإيجاب بالقول . ويحتج في مثله أيضا بقوله : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) [ النحل : 92 ] جعله الله مثلا لمن عهد لله عهدا أو حلف بالله ثم لم يف به ونقضه ، هو عموم في كل من دخل في قربة ، فيكون منهيا عن نقضها قبل إتمامها لأنه متى نقضها فقد أفسد ما مضى منها بعد تضمن تصحيحها بالدخول فيها ، ويصير بمنزلة ناقضة غزلها بعد فتلها بقواها . وهذا يوجب أن كل من ابتدأ في حق الله وإن كان متطوعا بديا فعليه إتمامه والوفاء به ، لئلا يكون بمنزلة ناقضة غزلها . فإن قيل : إنما نزلت هذه الآية فيمن نقض العهد والأيمان بعد توكيدها ، لأنه قال تعالى : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ) [ النحل : 91 ] ثم عطف عليه قوله : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ) [ النحل : 92 ] . قيل له : نزولها على سبب لا يمنع اعتبار عموم لفظها ، وقد بينا ذلك في مواضع . ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) [ محمد : 33 ] وقد علمنا أن أقل ما يصح في الفرض من الصوم يوم كامل ، وفي الصلاة ركعتان ، ولا تصح النوافل وتكون قربة إلا حسب موضوعها في الفروض ، بدلالة أنه يحتاج إلى استيفاء شروطها ، ألا ترى أن صوم النفل مثل صوم الفرض في لزوم الإمساك عن الجماع والأكل والشرب ؟ وكذلك صلاة التطوع تحتاج من القراءة والطهارة والستر إلى مثل ما شرط في الفروض . ولما لم يكن في أصل الفرض ركعة واحدة ولا صوم بعض يوم ، وجب أن يكون كذلك حكم النفل ، فمتى دخل في شئ منه ثم أفسده قبل إتمامه فقد أبطله وأبطل ثواب ما فعله منه ، وقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) [ محمد : 33 ] يمنع الخروج منه قبل إتمامه لنهي الله تعالى إياه عن إبطاله ، وإذا لزمه إتمامه فقد وجب عليه قضاؤه إذا خرج منه قبل إتمامه معذورا كان في خروجه أو غير معذور . ويدل عليه من جهة السنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه نهى عن البتيراء ) وهو أن يوتر الرجل بركعة فاقتضى هذا اللفظ إيجاب إتمامها ، وإذا وجب إتمامها فقد لزمته ،
285
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 285