نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 242
بذلك أن إيجاد النية من الليل ليس بشرط في الصوم المستحق العين ، وصار ذلك أصلا في نظائره مما يوجبه الانسان على نفسه من الصوم في وقت بعينه أنه يصح بنية يحدثها بالنهار قبل الزوال . فإن قيل : فرض صوم عاشوراء منسوخ برمضان ، فكيف يستدل بالمنسوخ على صوم ثابت الحكم مفروض ؟ ! قيل له : إنه وإن نسخ فرضه فلم ينسخ دلالته فيما دلت عليه من نظائره ، ألا ترى أن فرض التوجه إلى بيت المقدس قد نسخ ولم ينسخ بذلك سائر أحكام الصلاة ؟ وكذلك قد نسخ فرض صلاة الليل ولم ينسخ سائر أحكام الصلاة ؟ ولم يمنع نسخها من الاستدلال بقوله تعالى : ( فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] في إثبات التخيير في إيجاب القراءة بما شاء منه ، وإن كان ذلك نزل في شأن صلاة الليل وإنما قالوا : إنه يجزي أن ينويه قبل الزوال ولا يجوز بعده ، لما روي في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل العوالي فقال : ( من تغدى منكم فيمسك ومن لم يتغد فليصم ! ) والغداء على ما قبل الزوال . ثم لا يخلو ذكر الغداء من وجهين إما أن يكون قال ذلك بالغداة قبل الزوال ، أو بين لهم أن جواز النية متعلق بوجودها قبل الزوال في وقت يسمى غداة ، وإلا كان اقتصر على ذكر الأكل دون ذكر الغداة لو كان حكم ما قبل الزوال وبعده سواء ، فلما أوجب أن يكسو هذا اللفظ فائدته لئلا يخلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن فائدة ، وجب أن يختلف حكم نيته قبل الزوال وبعده . وإنما أجازوا ترك النية من الليل في صوم التطوع بما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل بن موسى قال : حدثنا مسلم بن عبد الرحمن السلمي البلخي قال : حدثنا عمر بن هارون ، عن يعقوب بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يجمع للصوم فيبدو له فيصوم ) . قالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا فيقول : ( هل عندكم من طعام ؟ ) فإن كان وإلا قال : ( فإني إذا صائم ) . فإن قيل : إذا لم يعزم النية من الليل حتى أصبح فقد وجد غير صائم في بعض النهار ، فكان بمنزلة الآكل ، فلا يصح له صوم يومه قيل له : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء صوم التطوع في بعض النهار ، واتفق الفقهاء عليه ، ولم يجعلوا ما مضى من النهار عاريا من نية متقدمة مانعا من صحة صومه ، ولم يكن ذلك بمنزلة الأكل في أول النهار في منع صحة صوم التطوع ، فكذلك عدم نية الصوم في المستحق العين من الصيام لا يمنع ابتداء صومه ، ولا يكون عدم النية في أوله بمنزلة وجود الأكل فيه كما لم يكن ذلك حكمه في التطوع . وأيضا فلو نوى الصوم من الليل ثم عزبت نيته لم يكن عزوب نيته مانعا من صحة صومه ، ولم يكن شرط بقائه استصحاب النية له ، فلذلك جاز ترك النية في أول
242
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 242