نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 237
وصول الذباب إلى جوفه معلوما على العادة في فتح الفم بالكلام ، وما كان مبنيا على العادة مما يشق الامتناع عنه ، فقد خفف الله عن العباد فيه ، قال الله : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 87 ] . وأما الجنابة فإنها غير مانعة من صحة الصوم ، لقوله : ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) [ البقرة : 187 ] فأطلق الجماع من أول الليل إلى آخره ، ومعلوم أن من جامع في آخر الليل فصادف فراغه من الجماع طلوع الفجر أنه يصبح جنبا ، وقد حكم الله بصحة صيامه بقوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) [ البقرة : 187 ] . وروت عائشة وأم سلمة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم يومه ذلك ) . وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاث لا يفطرن الصائم : القئ ، والحجامة ، والاحتلام ) وهو يوجب الجنابة ، وحكم النبي عليه السلام مع ذلك بصحة صومه ، فدل على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم . وقد روى أبو هريرة خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أصبح جنبا فلا يصومن يومه ذلك ) إلا أنه لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا علم لي بهذا أخبرني به الفضل بن العباس . وهذا مما يوهن خبره ، لأنه قال بديا : ما أنا قلت ورب الكعبة ( من أصبح جنبا فقد أفطر ) محمد قال ذلك ورب الكعبة ! وأفتى السائل عن ذلك بالإفطار ، فلما أخبر برواية عائشة وأم سلمة تبرأ من عهدته وقال : لا علم لي بهذا إنما أخبرني به الفضل . وقد روي عن أبي هريرة الرجوع عن فتياه بذلك ، حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا ابن شبابة قال : حدثنا عمرو بن الهيثم قال : حدثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة رجع عن الذي كان يفتي من أصبح جنبا فلا يصوم . وعلى أنه لو ثبت خبر أبي هريرة احتمل أن لا يكون معارضا لرواية عائشة وأم سلمة ، بأن يريد : ( من أصبح على موجب الجنابة أن يصبح مخالطا لامرأته ) ومتى أمكننا تصحيح الخبرين واستعمالهما معا استعملناهما على ما أمكن من غير تعارض . فإن قيل : جائز أن يكون رواية عائشة وأم سلمة مستعملة فيما وردت بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بذلك دون أمته ، لأنهما أضافتا ذلك إلى فعله ، وخبر أبي هريرة مستعمل في سائر الناس . قيل له : قد عقل أبو هريرة من روايته مساواة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره في هذا الحكم ، لأنه قال حين سمع رواية عائشة وأم سلمة : ( لا علم لي بهذا وإنما أخبرني به الفضل بن العباس ) ولم يقل إن رواية هاتين المرأتين غير معارضة لروايتي ، إذ كانت روايتهما مقصورة على حال النبي صلى الله عليه وسلم وروايتي إنما هي في غيره من الناس ، فهذا يبطل
237
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 237